تفسير قوله تعالى: (قال فمن ربكما يا موسى)
قال الله جل جلاله: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٤٩ - ٥٠].
ما زلنا في قصة موسى وهارون مع فرعون وملئه، فقال تعالى: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى﴾ [طه: ٤٩].
وهذا سؤال من فرعون، أي: قال فرعون لموسى وهارون: من ربكما؟ فكانا قد أرسلا من الله فما كان من فرعون إلا أن أخذ يتساءل، وكان المتكلم موسى وكان أخوه ومعززه ووزيره وشريكه في النبوءة والرسالة حاضراً، وهكذا الوفد إذا حضر يتكلم أحدهم ويسكت الآخرون، فيكونون جميعاً قد قالوا بقوله، ودعوا بدعوته.
وخص موسى بالنداء؛ لأنه المتكلم عن نفسه وعن أخيه بالهداية والرسالة.
وهذا السؤال من فرعون لأنه كان يعتبر نفسه رباً، ويقول لقومه: لا أعلم لكم من إله غيري، فعندما جاء موسى وهارون يكذبانه ويدعوانه عبداً لله الخالق الرازق أخذ يتساءل متعجباً متعاظماً: من هو هذا الرب الذي تدعواني إليه؟ ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠].
موسى لم يسم ربه، أراد أن يعرف فرعون وقومه به بنعوته وصفاته وأسمائه العليا التي يعجز عنها فرعون وقوم فرعون وكل متكبر جبار.
﴿قَالَ﴾ [طه: ٥٠] أي: موسى.
﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠] ربنا الذي أعطى ما خلق صورهم وأشكالهم وصنوفهم، أعطى الإنسان والحيوان والطير، وما يمشي على رجليه، وما يمشي على أربع، وما يزحف على بطنه، أعطى من يعيش على الأرض واليابس ومن يطير في الأجواء محلقاً، وأعطى من يعيش داخل البحار عائماً وسابحاً.
أعطى للإنسان صورته من يد ورجل وعين وفم وأذن، أعطاهم خلقهم وصورهم، ثم هداهم للتصرف فيها.
أعطى اللسان للنطق، وألهمهم أن ينطقوا بلسانهم، ويفصحوا به عن ما في نفوسهم، أعطى الأذن للسمع، والعين للبصر، واليد للبطش، والرجل للمشي، والعقل للفكر والتذكر والاعتبار، كما أعطى لكل ذكر أنثى، ولكل أنثى ذكراً، وهداهما كيف يعيشان وكيف يتزاوجان، وكيف تحمل الأنثى فترضع وتحضن، وكيف يربي الأب فيهذب ويعلم.
وقال موسى: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [طه: ٥٠] وقرئ: (كل شيء خَلَقَه ثم هدى) أي: أعطى الإنسان كل ما خلق، وجعله خليفته في الأرض يتصرف فيها كما يشاء بإذنه، وأعطى كل مخلوق صفته وصورته، ثم هداه وألهمه إلى ما يصنع بصورته وبحواسه.
أي: يا فرعون، هذا هو الرب الذي ندعوك إليه، أتستطيع أن تأتي بمثل ذلك؟


الصفحة التالية
Icon