تفسير قوله تعالى: (فألقي السحرة سجداً)
قال تعالى: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ [طه: ٧٠].
أيضاً حذفت كلمة دل عليها السياق، أي: فاستجاب موسى لربه وألقى ما في يمينه وهي عصاه، وكان هذا المنظر قد رأته عينا كل حاضر من فرعون وهامان وقارون وأتباعهم.
وإذا بعصا موسى أفعى فاغرة فاها كأعظم ما تكون عرضاً وطولاً، ناباً وسماً يقطر، وإذا بها تجري وتسعى خلف هذه الحبال والعصي فازدردتها وابتلعتها وقضمتها حتى لم يبق في الساحة عصاً واحدة أو حية واحدة فيما يزعم السحرة.
وإذا بالذين أصبحوا سحرة قد انقلبوا وأمسوا شهداء، أصبحوا وثنيين وأمسوا موحدين، أصبحوا من أهل النار وأمسوا من أهل الجنة، ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ [طه: ٧٠].
والساحر هو الذي يعرف ما كان سحراً حقاً وما لم يكن كذلك، فهم أول من يعلم أن الحبال والعصي التي ألقوها لم يكن من شأنها أن تزدرد أو تبتلع لأنه لا حقيقة لها، فالحبل لا يزال حبلاً، والعصا لا تزال عصاً، فكيف ازدردت عصا موسى كل ذلك؟ هذا هو الدليل القاطع على أن موسى ليس ساحراً، وأن عصاه ليست من أنواع عصينا، ثم أين ذهب كل هذا في جوفها وهي لا تزال على حالها طولاً وعرضاً، وقد كانت هذه العصي والحبال جبالاً متراكمة؟ فتأكدوا وقطعوا في أنفسهم أن موسى نبي صادق، وأن هارون نبي صادق، فارتموا ساجدين لله، تائبين من ذنوبهم السابقة ومن السحر، متحدين في ذلك فرعون وملأه، متعرضين للابتلاء وللعذاب، ولكن الله قواهم وثبت أقدامهم ليتحملوا من فرعون ما يتحملون رضاً لله وإيماناً بالحق، ولينصر الله الحق في هذا اليوم العظيم، وفي هذا المشهد الشامل.
وانتصر الحق في شخص موسى وهارون، وزهق الباطل المتمثل في شخص فرعون وسحرته، وقد تخلى عنه سحرته وآمنوا بالله الذي أرسل موسى وهارون.
وقوله: ﴿سُجَّدًا﴾ [طه: ٧٠] جمع ساجد.
وإذا بفرعون كعادة الظلمة الجبابرة الطغاة عاد للوعيد والتهديد بسلطانه وبطغيانه، مع أنه هو الذي جمعهم، وهو الذي طلب من موسى أن يعين له ميقاتاً ليعلم الكاذب من الصادق، لكنه أبى أن يعترف على عادته، وظل في الإصرار على الباطل والكفر.


الصفحة التالية
Icon