تفسير قوله تعالى: (يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له)
قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨].
والداعي هو إسرافيل يدعو بالصور في النفخة الثانية، يوم يدعو الكل إلى الذهاب والمشي إلى ساحة العرض على الله يوم الحساب.
﴿يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ﴾ [طه: ١٠٨]: أي: من يدعونا بأمر الله للاستجابة إلى الله.
﴿لا عِوَجَ لَهُ﴾ [طه: ١٠٨]: أي: لا اعوجاج ولا زوغان ولا فرار، ولا يستطيع أحد أن يختفي من هذا الداعي.
﴿وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨].
أي: تخشع الأصوات فتخفض وتخضع بالقول، ولا تكون مرتفعة، فلا تسمع إلا همساً.
وذكر الرحمن في هذا الموطن رحمة من الله وكرم، وإلا فهو يوم الجبروت، ولكنه جبروت على أهل الكفر والمعصية، ورحمة بالمؤمنين.
﴿وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ﴾ [طه: ١٠٨].
أي: أن هؤلاء عندما يتكلمون لا يتخافتون إلا همساً، والهمس لا يكاد يكون معه إلا حركة الشفتين، وهو ما يطلق على حركة الشجر، وما يطلق على حركة الماء دون أن يكون هناك أمواج.
فيكون حديث هؤلاء وهم مشاة إلى الله جل جلاله ومتبعون الداعي إسرافيل، فيتحدثون: ما الموقف؟ وما المآل؟ وهل نحن من أهل الجنة أو من أهل النار؟ على أن الكلام هنا عن المجرمين، فهم الذين سيكون الحال شديداً عليهم، فلا يرون أمامهم -وهم أعلم بأنفسهم- إلا العذاب واللعنة والغضب.
ومن أول يوم فإنهم يزعجون إزعاجاً، وذلك عندما ينفخ في الصور، فيدعون للاستجابة وللعرض على الله في اليوم الذي طالما أنكروه في حياتهم، فقد أنكروا البعث، وأنكروا الحياة بعد الموت، وأنكروا الجنة والنار، وأنكروا العرض على الله، وأشركوا مع الله غيره.
فهؤلاء عندما يعيشون في واقع ما كانوا ينكرونه تجدهم بين الهمس والخفوت والتحدث بأصوات ذليلة خاشعة، فيتحدث أحدهم مع من بجانبه فلا يكاد يسمعه، ولا يكاد يفهمه إلا من حركة شفتيه.
وكما في حديث السيدة عائشة: (من نوقش الحساب عذب).
ولا يعذب إلا المجرمون الكافرون المشركون، وأما المؤمن فمهما صدر منه إذا مات على التوحيد، وعلى اليقين بالله واحداً وبمحمد نبياً ورسولاً، فإنه إما أن يغفر الله له إن شاء ذلك، وإما أن يعذب برهة -الله أعلم بقدرها- ثم يخرج بعد ذلك إلى الجنة بالشفاعة لمن يأذن الله تعالى له بأن يشفع.


الصفحة التالية
Icon