تفسير قوله تعالى: (ونحشره يوم القيامة أعمى)
قال تعالى: ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٤]: يحشر يوم القيامة أعمى البصر لا يبصر، أعمى البصيرة لا يميز، وذلك نتيجة ضلاله في الدنيا وإعراضه عن الله، بمعنى: أن عذابه في الدنيا يكون بالضنك وبالشقاء، وأن عذابه في الآخرة أشد وأبقى بعمى البصر والبصيرة.
ومن هنا قد يكون عاش حياته مبصراً بعينين ناظرتين مفتحتين، فتجده يتناسى فعلته ويتناسى ما قدمت يداه في الدنيا فيقول: ﴿رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا﴾ [طه: ١٢٥]؟ يسأل ربه بكل جرأة: لم حشرتني أعمى وقد كنت أبصر في الدنيا.
وقد يكون في الدنيا يبصر بالبصر ولكنه أعمى البصيرة، لم يقم بحجج الله عليه، ولم يصدق أنبياءه على كثرة ما أتوا به من معجزات وآيات بينات على صدق رسالتهم، ولم يوفق إلى طاعة ما أنزل على نبيه من وحي.
لذلك أتى الله به يوم القيامة أعمى البصر كما هو أعمى البصيرة، ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا﴾ [طه: ١٢٥]، قال الله: ﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾ [طه: ١٢٦].
أجابه الله بذلك إما مباشرة أو على لسان ملائكته.
قال الله: ﴿كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾ [طه: ١٢٦]، أي: ذلك جزاء وفاق، فكما أتتك الرسل وأتتك الكتب الموحى بها إليهم فنسيتها في الدنيا وأعرضت عنها ولم تهتم بها، فكذلك اليوم تنسى.
﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا﴾ [طه: ١٢٦].
أي: علامات صدق رسلنا، وأن الكتب التي أنزلت عليهم كانت وحياً من الله حقاً، وقد كان ذلك بالآيات البينات والمعجزات الواضحات، وقد أعرضت عنها جميعاً، وما زادك ذلك إلا إمعاناً في الكفر وإصراراً على الجحود، وكما فعلت ذلك في دنياك ونسيت ذلك وتركته، ﴿كَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾ [طه: ١٢٦]، أي: تترك.
والله تعالى لا ينسى ولا تأخذه سنة ولا نوم، ولكن هذا من مشاكلة الكلام، وهو من بلاغة القرآن وبلاغة اللغة التي نزل بها القرآن، فإنه قال: ﴿كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا﴾ [طه: ١٢٦]، أي: فتركتها، ﴿وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾ [طه: ١٢٦]، أي: كذلك اليوم تترك وكأنك قد نسيت فطرحت وأهملت، جزاء وفاقاً على فعلتك في الدنيا بالإعراض عن الرسل وعن كتب الله.