تفسير قوله تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)
قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: ١٣٢].
بعد أن أمرنا الله بالصلوات الخمس في أنفسنا؛ وبأن نسبحه ونصلي له قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وفي آناء الليل وأطراف النهار، عاد فأمرنا أن نأمر غيرنا بالصلاة ولا نكتفي بأنفسنا، فقال: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ﴾ [طه: ١٣٢]، فالأمر لنبينا أولاً ثم هو لنا.
ومنذ نزلت هذه الآية كان ﷺ يقوم من الليل فيطرق باب ابنته فاطمة وهي مع زوجها علي ويقول: الصلاة الصلاة، ويطرق أبواب زوجاته في غرفهن ويقول: الصلاة الصلاة، وكان يفعل ذلك أبو بكر، ويفعله عمر، ويفعله المسلمون ممن اهتدى وأطاع أمر ربه.
فنحن مأمورون بالصلاة في أنفسنا، ومأمورون أن نأمر بها أهلنا الذين هم تحت سلطاننا، والأهل بالنسبة لرسول الله ﷺ جميع أمته مع أهله الأولين، وبالنسبة للحكام جميع رعاياهم بعد أهلهم، ومن له شريك أو صاحب يأمره بذلك، وقبل ذلك أهله وأولاده.
والأهل هنا بداية من الزوجة إلى الولد إلى الأم إلى الأخت إلى بقية أفراد العشيرة، فيجب أن تأمرهم بالصلاة: ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: ٦]، أمرنا الله تعالى أن نقي ونحفظ أنفسنا من عذاب ناره، ونقي أهلنا هذه النار التي حطبها وفحمها الناس والحجارة.
ولا عذر لزوج يقول: أمرتها فلم تمتثل، ولا عذر لأب يقول: أمرت ولدي فلم يمتثل.
نعم، لا حق لك في القتل، وقد يكون أحياناً لك ولكن مع هذا هناك طرق في التأديب قد علمنا إياها النبي عليه الصلاة والسلام، فقال لنا عن الصلاة وتعليمها للأطفال: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر).
فمنذ السابعة وإلى العاشرة ثلاث سنوات تكون للتمرين وللتدريب؛ لأن من لم يتمرن على الصلاة من الطفولة حتى لو آمن بها فإنه لا يواظب عليها إذا كبر، ونعلم الكثير من أهل الخير الذين لم يمرنوا على الصلاة إلا بعد الكبر لا يصلون إلا وكأن الجبال على عواتقهم.
ونعلم الكثير من الناس الذين مرنوا على الصلاة من آبائهم ومربيهم وهم في الطفولة إذا حاولوا ليلة نتيجة مرض أو تعب أو أي سبب أن يؤخروا الصلاة إلى آخر الليل يصيبهم الأرق، ولو كان أحدهم مجهداً متعباً، فإذا قام ليتوضأ ويصلي شعر وكأن حملاً ثقيلاً قد ألقاه عنه.
ومن هنا كان عليه الصلاة والسلام يقول لـ بلال: (أرحنا بها يا بلال)، أي: كان يرتاح عليه الصلاة والسلام بالصلاة، وبها كان يجد اليقين، وفيها قرة عينه صلى الله عليه وعلى آله.
والصلاة عماد الدين من تركها فقد كفر، والفرق بين المسلم والكافر ترك الصلاة.
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: ١٣٢]، أي: اصبر على الصلاة في نفسك وفي أهلك ولازمها في جميع الأوقات صحة ومرضاً، حضراً وسفراً، قائماً وقاعداً، ولا تتركها في حال من الأحوال، فما هي إلا أيام وتجد ذلك زادك الوحيد عند الله يوم القيامة.