تفسير قوله تعالى: (ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم)
قال تعالى: ﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنبياء: ٩].
يخبر تعالى عن عباده المكرمين والرسل الطيبين أنه ابتلاهم ليزدادوا رفعة وكرامة، ولتتم البشرية بينهم وبين عشائرهم وأقوامهم، فابتلوا بهؤلاء الكفرة من أقوامهم، فجحدوهم، وكذبوهم، واتهموهم وآذوهم، ولكن العاقبة كانت لهم، فدمر الله أعداءهم، ونصرهم عليهم نصراً عزيزاً مؤزراً، والعاقبة للمتقين.
قال تعالى: ﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ﴾ [الأنبياء: ٩] والوعد الذي صدق الله به عباده المكرمين من رسله وأتباعه: أن يجعل العاقبة والنصر لهم.
قال تعالى: ﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ﴾ [الأنبياء: ٩] أنجينا هؤلاء الرسل الكرام من أعدائهم، مما بيتوا لهم من ذلاقة لسانهم، ومن وقاحة قولهم، ومؤامراتهم عليهم، وقد فعلوا كل ذلك بالخاتم عليه الصلاة والسلام، فشتموه وقذفوه وأدموا القدمين، وكسروا رباعيته، ثم تآمروا على القتل والنفي والسجن، وأبى الله إلا أن ينصره ويذل عدوه، وأن يمكنه من رقابهم يوم بدر، ثم دخل فاتحاً إلى القرية التي طالما وقفت في وجهه من بين عشيرته من قريش في مكة، فكان النصر له ولمن شاء الله من أتباعه المؤمنين.
﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ﴾ [الأنبياء: ٩] صدق رسله ﴿فَأَنجَيْنَاهُمْ﴾ [الأنبياء: ٩]، أنقذناهم من عداوة أعدائهم، وعداوة الجاحدين الكافرين ومن نشاء ممن تبعهم وآمن بهم، كما نص الله على أسمائهم في القرآن الكريم، وكان الإيمان الكامل لخاتم الأنبياء إيماناً به عبداً نبياً رسولاً، وبتصديقه في كل ما جاء به كتاباً وسنة وأمراً ونهياً، وإقراراً كذلك.
﴿وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنبياء: ٩] والمسرف: المشرك الكافر الذي أسرف على نفسه، فلم يكتف بالجرائم والمعاصي الجزئية، بل أسرف على نفسه فكفر بالله الخالق، وكفر بصاحب الشريعة صل الله عليه وسلم، فهذا هو المسرف، وهذا الذي لا ينتظر رحمة ما لم يؤمن بالله، فيهلك على غير إيمان: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ١١٦].