تفسير قوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)
قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢].
فهذه أعظم آية قاطعة لدلالة العقل: على أن الله واحد، وعلى أن الله لا شريك له، وعلى أن الله لا ثاني له، لا في ذات، ولا في وصف، ولا في فعل.
(لو كان فيهما) في السماء والأرض آلهة متعددة.
(لفسدتا): أي السماء والأرض.
ولعلا بعضهم على بعض فصار هذا آمراً وهذا ناهياً، فإذا التقى الأمران وكانا متناقضين وقع الفساد والدمار والخراب، وبما أن الأرض لم تفسد والسماء لم تفسد، والنظام الكوني الذي خلق الله به الدنيا منذ خلقها لا يزال ليلاً نهاراً كما هو، ولا زالت الأرض ببشرها بإنسها وجنها، بملكها بكل ما عليها من حي في نظام متكامل، الليل النهار يدخل هذا في هذا، ويغشى هذا هذا، ويكون النهار تارة أطول، ويكون الليل تارة أطول، بين شمس وقمر، وبين فصول العام الأربعة، شتاءً وخريفاً صيفاً وربيعاً، كل ذلك منذ خلق الله الكون لم يتزحزح أنملة، ولم ينقض ثانية، من الذي دبر هذا؟ لو كانوا آلهة لعلا بعضهم على بعض، ولطلب أحدهم ما يحدث من ملوك الأرض ودولها، فنحن نرى هؤلاء يعلو بعضهم على بعض، وتسفك الدماء، وتقوم الحروب، ويجوع البشر، ويكثر الفساد، وتدمر المدن، وينتشر الظلم ويحدث ويحدث.
ولله المثل الأعلى: لو كان معه رب ثان، وخالق ثان، لطلب أحدهم الدنو على الآخر، ولطلب هذا الحياة وهذا الموت، وهذا البناء وهذا الهدم، وهذا القيام وهذا القعود، ولو كان ذلك كذلك لتدهور العالم، ولما بقي هناك نظام، والذي نراه خلاف ذلك.
والذي نراه ورآه آباؤنا وقبلهم أجدادنا: أن الكون قائم على نظام بسيط، لا يزيد ولا ينقص، لا يزيد ثانية ولا يغير خلق البشر، ولا خلق الحيوان إلى ما نعلمه جميعاً، دارسنا وغير دارسنا، مؤمننا وكافرنا، عالمنا وجاهلنا، هل هذا إلا الدليل العقلي القاطع الذي لا ينكره إلا مجنون، فقد العقل قبل أن يفقد الإيمان.
أما السماء والأرض لو كانت فيهما آلهة غير الله لفسدتا، ولاختل نظامهما، ولما بقي هناك نظام في سماء ولا أرض، فبما أن هذا لم يكن كذلك فهو الدليل القاطع العقلي على أن الله واحد ليس معه شريك، ولا صاحب، ولا محيي، ولا مطاع.
وحتى ما يقوله اليهود والنصارى في عزير أو مريم وعيسى يقولون: هم ثلاثة في واحد، وواحد في ثلاثة يقولون: الأب الأكبر: روح القدس، ثم الابن، ثم الصاحبة، وهم في ذلك يزعمون بخزعبلات لا تقبلها إلا عقولهم، بلاء وإفك وعناد دون فهم ولا وعي ولا تعقل، يقولون: خلق الولد، وخلق الصاحبة، ثم اتخذها صاحبة، واتخذ منها ولداً.
قال تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٢] يسبح الله نفسه، ويعلمنا كيف نسبحه، وينزه نفسه عن هذا الباطل الذي افتراه، الجاحدون، واخترعه الكاذبون، ولا منطق لهم من عقولهم سليمة، ولا دليل عليه من كتب سابقة، ولا رسل مضت، إن هي إلا أكاذيب وأضاليل، أصروا على الكفر تلاعباً بأنفسهم، وتلاعباً بدينهم، وتحريفاً وتبديلاً وتغييراً في كتب الله، وفي آيات الله السابقة، فسبحان الله رب العرش.