تفسير قوله تعالى: (قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين)
قال تعالى يصف لنا حالتهم في صورة تشخيصية، تمثيلية، وكأننا نراها رأي العين، وهم يركضون فارين، والبأس والعذاب يحيط بهم من كل جانب، وهم يقولون: ﴿يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٤].
قالوا وصاحوا: يا ويلهم، يا بلاءهم.
(ويل): واد في جهنم فيه قيح أهل النار وصديدهم، فهم ينادون قذرهم، وينادون ما عاقبهم الله به ولعنهم به: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٤].
قال تعالى: ﴿فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٥].
وهم تحت البأس والنقمة والعذاب والصواعق والزلازل والغارات عوضاً عن أن يعودوا فيقولون: لا إله إلا الله، وهم يقولون: يا ويلهم! يا ويلهم! يا ويلهم! ﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٤].
﴿فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ﴾ [الأنبياء: ١٥] أي: ما زالت تلك الكلمة نداءهم وقولتهم التي يقولونها (حتى جعلناهم حصيداً خامدين)، إلى أن استحصدوا واستؤصلوا كما يحصد المنجل الزرع، (خامدين) أي: ميتين هالكين، عاشوا في الويل، وماتوا وهم ينادون بالويل، وحلت عليهم اللعنة والبأس، لعنة الله وغضبه، فالله ينذرنا بهذا، ويقص علينا قصص من سبقنا من المشركين والظالمين، ويحذر من لم يؤمن به، وفعل فعلهم، وأصر إصرارهم على الكفر والشرك والظلم.
قال تعالى: ﴿فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ * وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ﴾ [الأنبياء: ١٥ - ١٦].
يقول تعالى عن هؤلاء ولمن سمع ذكرهم بعد: هؤلاء قد حلت عليهم اللعنة، وبأس الله وعقوبته، ومع ذلك لم يهتدوا للتوبة؛ ولم يقولوا في أخريات أيامهم: لا إله إلا الله، ربنا إننا تبنا وأنبنا، بل أخذوا يضرعون وينادون: يا ويلهم! يا ويلهم! إنهم كانوا ظالمين، فما زالت تلك دعواهم، ونداءهم، وكلمتهم، والبلاء والعقوبة محيطة بهم من كل جانب إلى أن جعل الله عاليهم سافلهم، وهم ينادون بالويل إلى أن استحصدوا كما يحصد الزرع، وإلى أن خمدوا وانطفئوا كما تطفأ النار، وماتوا وهلكوا.