تفسير قوله تعالى: (ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم)
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٢٩].
وهذا وجه الإشفاق والخشية من الملائكة على أنفسهم من أن يصدر عنهم شيء يعذبون من أجله.
﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ﴾ [الأنبياء: ٢٩] من يزعم من الملائكة أنه إله لتعبدوه، فإنا نجزيه ونعاقبه بالدخول إلى النار والخلود فيها، وهذا شرط، والشرط لا يلزم وقوعه، ولكن هذا جواب لمن زعم أن الملائكة بنات لله، وشركاء له، والله يقول عن هؤلاء: لو أنهم فكروا يوماً أن يكونوا آلهة، وأن يدعوا ذلك لذهبت الكرامة والعصمة، ولعوقبوا بالنار والخلود فيها، ولكن (إن) الشرطية لا يلزم وقوع جوابها، أي: فهم لا يفعلون، فلا يدَّعون ذلك، ولا يعملون ما يدعو إلى ذلك؛ تكريماً من الله لهم، وحرصاً منهم على العمل دواماً واستمراراً في عبادة الله قولاً وعملاً، وهذه كقوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥].
الخطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم، وهي (إن) شرطية، ولا يلزم منها الوقوع، فالنبي لا يشرك، وحاشاه من ذلك، والنبي معصوم، والعصمة تمنع الذنب فضلاً عن الشرك، ولكن هذا يقال من الله تخويفاً لخلقه، إذا كان الأنبياء والرسل على كرامة على الله، وإذا كانت الملائكة وهم العباد المكرمون إن فعلوا فعلكم، وأشركوا شرككم لا يفلتون من النقمة، ولا يفلتون من النار والعذاب، فكيف بكم ولستم بالمعصومين: ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٢٩]، أي: نعاقبه بجنهم: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٢٩].
(كذلك) كما نجزي من ادعى الألوهية، وقال: هو إله مع الله، أو إله من دون الله، كما نجزي من زعم ذلك، وادعاه في جنهم والخلود فيها: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٢٩] أي: المشركين الذين زعموا لغيرهم الألوهية، أو زعموها لأنفسهم، كل أولئك مشركون وكافرون، كل أولئك لا يفلتون من عذاب الله ونقمته، والخلود في النار أبداً سرمداً.


الصفحة التالية
Icon