تفسير قوله تعالى: (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل)
وسيذكر لنا الله في هذه السورة إبراهيم وقصته مع قومه ومع النمرود، وشجاعته في الدعوة إلى ربه، ومع تآمرهم على تحريقه، ومع نصر الله أولاً وأخيراً؛ ليكون المثل المضروب لكل مؤمن داعية إلى الله مهما لقي في سبيل الله، فالعاقبة للمتقين.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٥١].
الله جل جلاله كما أرسل موسى وهارون، أرسل قبلهما إبراهيم أبا الأنبياء، والد النبيين الكريمين المعظمين المبجلين إسماعيل الأب الأعلى لنبينا عليه الصلاة والسلام وأبي العرب، وإسحاق أبي أنبياء بني إسرائيل وهو الولد الثاني لإبراهيم، فقد أكرمه الله بابنين، وأكرمه بالنبوة والحكم والكتاب، وجعل في ذريته النبوة ونزول الكتب كالتوراة والإنجيل والقرآن، وجعل الحكم في ذريته.
ونبينا عليه الصلاة والسلام على أنه النبي الرسول الخاتم كان الحاكم، وكان القائم بدولة الإسلام، والمؤسس والمنظم لها، وكان يقود الجيوش، ويوظف الأعوان، ويقضي في الخصومات، وكان يرسل قواداً للفتح ولهدايتهم، وهكذا قامت دولة الإسلام، وجاء من حكم بعده كـ أبي بكر وعمر فمن بعدهما من الخلفاء الراشدين وغير الراشدين فسموا الخلفاء، أي: خلفاء رسول الله ﷺ في حكمه، وفي تطبيق الشريعة والقيام عليها بالسيف والقلم، ولم يكتف بالقلم ولا بالعلم، ولم يكتف بالبيان، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كما قال الخليفتان الراشدان: عمر وعثمان رضي الله عنهما.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنبياء: ٥١] فسروا (قبل) أي: قبل البلوغ وتحمل الرسالة، وكما قال الله عن يحيى عليه السلام: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢] ففسروا هنا ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنبياء: ٥١] أي: من قبل الوحي والرسالة، ومن قبل الصحف المرسلة المنزل بها على الناس.
قوله: ﴿وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٥١] أي: عالمين أنه أهل للرسالة والإمامة، أهل لأن يدعو الناس إلى عبادة ربه، وإلى توحيده، وإلى نشر العدل، وهكذا كان، فإبراهيم عليه السلام دعا النمرود وقومه إلى عبادة الله، وامتهان الأصنام وكان سنه لا يزيد على ستة عشر عاماً، وتحمل وهو في هذه السن الصغيرة النمرود وعذابه، وتحريقه بالنار، ولكن الله نصره، ورد كيد النمرود على نفسه وقومه، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنبياء: ٥١] إما من قبل موسى وهارون اللذين ذكرا قبله بآية، أو قبل أن يوحى إليه، وهو لا يزال في سن صغيرة، كما آتى الله يحيى الحكمة وهو بعد صغير، وكما آتى عيسى المعجزة والنطق، وهو لا يزال في المهد.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٥١] أي: عالمين أنه أهل للنبوة والرسالة وأهل لما أهلناه له من النبوة والرسالة والدعوة إلى الله، وإلى عبادة الله وتوحيده، وكيف كان ذلك وما تفسيره؟!


الصفحة التالية
Icon