تفسير قوله تعالى: (قال بل ربكم رب السماوات والأرض)
﴿قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٦].
هنا بين لهم الحق، وأنه جاد كل الجد، وأنه لم يتكلم إلا بالحق، وأن آلهتهم التي يعبدون من أصنام وتماثيل ليست إلا آلهة مزيفة، وجمادات لا تنطق ولا تعي، ولا تنفع ولا تضر.
(بل) إضراب عن الكلام الماضي، كل ما عبدوه فهو باطل، وكل ما اعتفكوا عليه فهو باطل، وكل ما قاموا عليه هو باطل هم وآباؤهم.
﴿قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ﴾ [الأنبياء: ٥٦] ربكم الذي هو أجدر بالعبادة، وهو ذو الحق في ذلك، الخالق الرازق الذي ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه جل جلاله، وعلا مقامه.
(ربكم) صفته ونعته أنه خالق السموات التي ترونها بأعينكم، وهو خالق الأرض وما عليها، الذي فطرهن وخلقهن على غير مثال سابق، وأبدعهن إبداعاً، وأوجدها بعد أن لم تكن، ولم يكن لها نظير؛ إذ لا رب للكون إلا الله، وأنا على ذلكم من الشاهدين.
يقول إبراهيم: ﴿وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٦].
كلمة (ذلك) بالإشارة، عندما تضاف يبقى اسم الإشارة مفرداً، ولكن من يخاطب يضم إليه، فيكون اسم الإشارة مثنى إذا خاطبت اثنين، ويكون جمعاً إذا خاطبت جماعة، فتقول إذا خاطبت اثنين: ذلكما.
وهذه التماثيل ليست إلهاً لكم، إنما إلهكم من خلق هذه السماء، ورفعها بغير عمد وأنتم ترونها، من خلق الأرض وما عليها وأنتم ترونها، وهو الذي فطرها وأبدعها بلا مثال سابق.
وأنا شاهد على ذلك أي: أشهد نفسي وأشهد سمعي وأشهد الله عليه أنني أؤمن وأعتقد جناناً، وأنطق لساناً أن هذه السماوات العلى والأرضين السفلى هي خلق الله، والفطرة التي أبدعها، وأن الله وحده الجدير بالعبادة، وأن الله وحده الذي انفرد بالخلق والربوبية والألوهية، وكل ما عداه باطل، فذاك معنى لا إله إلا الله، أي: لا إله بحق، لا إله مما يدعي الناس من صنم ووثن وملك وجن وإنس وحيوان وجماد، ليس الإله الحق إلا الله ذو الجلال والإكرام.
﴿وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٦] أي: أشهد أن الله هو الخالق، وأشهد أن الله هو الإله، وأشهد أن الله هو الجدير بالعبادة وحده، وأن كل ما تصنعون لا ما صنعتموه أنتم ولا ما قلدتم به آباءكم من عبادة للتماثيل والأصنام الباطلة المزيفة، التي لا حقيقة لها في نفس الأمر، وإنما هي مخترعة ومبتكرة من عقول ضاعت وزيفت وغرقت في الضلال.


الصفحة التالية
Icon