تفسير قوله تعالى: (ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا)
تحمل نوح هذه المدة ألف سنة إلا خمسين عاماً، ثم ما استطاع أن يصبر، فرفع يده إلى ربه يدعو على هؤلاء؛ فاستجاب الله دعاءه، وانتقم منهم، فقال تعالى: ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٧].
استجاب الله لنوح بعد هذه المدة القرون الطويلة، فأنجاه وأهله من سوء قومه وفجورهم وفسوقهم وأركبهم السفينة هو وأهله، ثم قال الله بعد ذلك: ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٧] تم النصر المؤبد المؤزر بأن ذل الأعداء فغرقوا، وانتصر نوح وفاز وكان مصيره (فأنجيناه).
قوله: ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ [الأنبياء: ٧٧] أي: منعناه من القوم، و (من) حرف جر، وحروف الجر ينوب بعضها عن بعض، ويمكن أن تفسر: ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ [الأنبياء: ٧٧] أي: على القوم، والمعنى واحد.
قوله: ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [الأنبياء: ٧٧] أي: قوم نوح الذين كذبوا بآيات الله، وسخروا من نوح وهو يصنع السفينة، وكانوا يقولون له: أنت في صحراء لا بحر فيها، فلمن تصنع السفينة؟! فيمرون مستهزئين فيجيبهم: أنا أهزأ بكم كما تهزءون، ويظهر أنه اشتغل السفينة زمناً طويلاً، وكان نجاراً.
قال تعالى: ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [الأنبياء: ٧٧] بقدرة الله ومعجزة لرسله على ما يريد جل جلاله.
قوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ﴾ [الأنبياء: ٧٧] أي: كانوا قوم منكر وفجور وفسوق، كانوا عصاة.
﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٧] أي: كانت النتيجة أن غرقوا وماتوا خنقاً وغرقاً فخسروا دنياهم وآخرتهم؛ لأنه لا يغرق إلا المشرك.
أما الذي آمن بربه وآمن بنوح نبيه فقد ركب مع نوح في السفينة، وأنجاه الله وأنقذه وملَّكه بعد ذلك الدنيا جميعها وقال الله عنه: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠] لم يتجاوزوا به العشرات، قيل: سبعون، وقيل: أقل، فكانت الدنيا كلها في ملك هؤلاء، وإن كان الماء قد أغرق كل شيء فأغرق القصور، والأرض، والنبات، وفاضت المياه إلى أن غمرت الجبال، وقد أركب معه من كل شيء زوجين ذكراً وأنثى، آمن به رجال ونساء فتوالدوا بعد ذلك، وأصعد معه الحيوانات من كل نوعٍ ذكراً وأنثى؛ لتتجدد الحياة مرة أخرى بعد الغرق.


الصفحة التالية
Icon