تفسير قوله تعالى: (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم)
قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٨٠].
ومما علمه داود وميزه بذلك على سليمان قبل أن يلي سليمان النبوة دون أبيه والملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده: أنه علمه صنعة لبوس، واللبوس: الملبوس.
قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٨٠] أي: لبني إسرائيل، لقوم داود، وهي حكاية فيما قص الله علينا مما أوحى به لداود وسليمان، وهي أيضاً ذكر لنا للشكر بأن ذلك انتفع به الأولون، وانتفع به من كان معاصراً لرسول الله ﷺ وإلى الآن وإلى يوم القيامة.
قوله: ﴿لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ﴾ [الأنبياء: ٨٠] وهو لأمة الحرب، وألبسة الحرب، تلك اللأمة التي تلبس على الصدر والظهر والرأس؛ لتقي البدن من ضرب السهام ومن ضرب السيوف، هذه اللأمة كانت تصنع قديماً من الصفائح، وتكون ثقيلة على البدن، لا يكاد يحملها إلا بمشقة، وتصنع من الفولاذ الذي هو أقوى أنواع الحديد التي لا يؤثر فيها ضرب برصاص ولا ضرب بسيوف، وقد علَّم الله داود في حروبه مع أعدائه أن يصنع اللأمة من حلق، هذه الحلقات تتسع وتضيع على البدن حسب كل جسم وما يناسبه، وتكون أخف على البدن.
﴿لِتُحْصِنَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٨٠] أي: لتدافع عنكم، ولتصونكم، وتدفع عدوكم وسيوفه وسهامه ونباله، فتكونون في حصن، وفي مأمن من أن تنالكم سهام الأعداء أو رصاصها أو سيوفها.
(من بأسكم) أي: من حربكم لأعدائكم.
قوله: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٨٠] قالوا: الخطاب حكاية عما قاله الله لداود ولقومه.
وقال البعض: إن الخطاب للمسلمين من المهاجرين والأنصار عندما أذن لهم بالحرب والقتال، فهم أيضاً استفادوا من هذا الزرد، ومن هذه اللأمة التي أول من صنعها هو داود بنص القرآن الكريم، ودائماً الفضل للمخترع الأول.