تفسير قوله تعالى: (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج)
قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦].
يقول جل جلاله: هؤلاء المخالفون العصاة المذنبون سيبقون في الأرض وفي الدنيا حتى خروج يأجوج ومأجوج، سيبقون مصرين على إجرامهم وذنوبهم، وقلة قليلة قال عنها النبي عليه الصلاة والسلام بياناً للقرآن الكريم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم وهم على ذلك إلى يوم القيامة) الكل سيبقى إلى أن يرى يأجوج ومأجوج من السلالة والذرية.
﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾ [الأنبياء: ٩٦].
أي: فتح السد الذي بناه ذو القرنين، هذا السد الذي حُبس فيه قوم يأجوج ومأجوج وهم جنس من البشر من أبناء آدم من ولد يافث بن نوح، هم مجرمون بفطرتهم، يفسدون ولا يصلحون، وصفهم رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنهم صغار الأعين، غلاظ الوجوه، صهب الشعر، شقر، كأنهم المجان المطرقة، وكأنهم الترس المطرق بالجلد من أمام وخلف، هذا الذي يُتقى به ضرب السيوف أي: وجوههم غليظة غلظ المجان المطرقة بالجلود.
ويأجوج ومأجوج هم من علامات الساعة الكبرى، وقد تواترت بهم الأحاديث، والأصل ذكر القرآن لهم، وقد فسّر ذلك عليه الصلاة والسلام، وذكر ترتيبهم في الخروج والبروز، وأنهم كل يوم يأتون إلى السد فيحاولون أن ينقبوه، فيحفرونه اليوم كله فيقولون: إلى الغد، فيعودون فيجدونه رجع كما كان، وهكذا يبقون على هذه الحال حتى يأذن الله تعالى بخروجهم لخراب بقية الدنيا، فيلهمون فيقولون: غداً نعود إليه إن شاء الله، فيأتون إليه ويجدونه كما حفروه، وأخذوا يسمعون الأصوات خلفه، وإذا بهم يكبرون النقب فيخرجون كالسيل المنتشر من كل حدب ينسلون، كما قال ربنا.
ويأجوج ومأجوج يأتون بعد عيسى عليه السلام ولا يتركون نهراً إلا شربوه، ولا بئراً إلا طمروه، ولا شجرة إلا قلعوها، ولا إنساناً إلا أزهقوا حياته، ولا دابة إلا قتلوها وقد ظن بعض شيوخنا من علماء عصرنا أن هذه الصفة في التتار الذين فعلوا مثل هذا عندما جاءوا من أقاصي آسيا البعيدة، فخربوا العراق، وخربوا الشام وما بينها، وكل ما أتوا عليه من أقصى آسيا ما تركوا بحراً ولا شجراً ولا إنساناً، ولكن ذلك وقف وانتهى وعيسى لم يأت بعد، والمهدي لم يأت بعد، والدجال لم يأت بعد، والعلامات الكبرى للساعة لم تأت بعد، فيكفي هذا دليلاً على أن التتار لم يكونوا يأجوج ومأجوج.
يأجوج ومأجوج بشر صغار الأجسام، تزدريهم العين في النظر إلى وجوههم، فيها جهامة وقتر أشبه ما يكونون بوجوه أهل النار: ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ﴾ [عبس: ٤٠ - ٤١] هؤلاء عندما يفعلون ذلك سيخربون ويدمرون، وإذا بالله الكريم يأذن بهلاكهم، لأن المؤمنين يدعون الله بأن يكشف عنهم غمتهم، وإذا به يسلّط عليهم النغف تأخذهم في أعناقهم، فتكون سبب هلاكهم وتدميرهم، فيتراكمون ويتكتلون، فينتشر الوباء والروائح الكريهة والجثث والأمراض على أشكالها، فيدعو من يدعو الله تعالى، وإذا به يصب عليهم مطراً، ثم يسلّط عليهم طيوراً تأخذهم، فهذا المطر ينظف الأرض، والطيور ترفع الجثث وترميها إلى قعر البحار، فتنظف الأرض من أوساخهم وجيفهم، ومن روائحهم الكريهة، ولكن بعد ذلك كما ورد في الحديث الصحيح تصبح الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تصبحهم أو تمسيهم يقولون: صباحاً ستلد! مساءً ستلد! تصبح الساعة أقرب ما تكون، فينتظر الناس يقولون: صباحاً! ويقولون: مساءً! ولكنها لا تأتيهم إلا بغتة على توقعهم لها.
فقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾ [الأنبياء: ٩٦] فتحت عنهم أي: أزيل النقب وخرجوا ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] الحدب: التل من الأرض.
والعلو من الأرض و (ينسلون): يجرون ويسرعون، فهم يأتون من كل تلة، ومن كل جبل، ومن كل ناحية، ومن كل جهة يتسارعون ويجرون للفساد، ولسفك الدماء، وإهلاك الحرث والنسل، لا يعلمون سوى ذلك، وهم يتسابقون في الشوارع كالبهائم، لا يدينون بدين، ولا يتخلقون بخلق ولا يكادون يفقهون من الكلام قولاً.


الصفحة التالية
Icon