تفسير قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم)
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ [الحج: ١].
نحن الآن في سورة الحج، وهي في النصف الثاني من الجزء السابع عشر، وسورة الحج فيها ثمان وسبعون آية، ووضعها عجيب، فهي مكية مدنية، أي: نزل بعضها في مكة ونزل بعضها في المدينة، وهي حضرية سفرية، أي: نزل بعضها في الحضر والنبي عليه الصلاة والسلام مقيم، وبعضها نزل والنبي عليه الصلاة والسلام مسافر ومتنقل بين مكة والمدينة، وفيها الناسخ والمنسوخ، وفيها المحكم والمتشابه.
وهذه السورة تمتاز عن بقية السور الأخرى بأن فيها سجدتين، وهي تشتمل على أكثر أحكام الحج، وهو الركن الخامس من الأركان الخمسة في دين الإسلام.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ [الحج: ١] النداء هنا يعم كل إنسان من سلالة آدم وحواء، وقوله: ((اتَّقُوا رَبَّكُمْ)) معناه: اجعلوا بينكم وبينه وقاية؛ لتنقذوا من غضبه، وتنقذوا من عذابه.
والتقوى: هي فعل الأوامر قدر الاستطاعة، وترك النواهي البتة.
قوله: ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ [الحج: ١]: الزلزلة: هي الاهتزاز والاضطراب والقلق النفسي، فالفتن يتبع بعضها بعضاً حتى تزلزل النفس وتزلزل الأرض، ويكاد يضيع الإنسان عن نفسه.
﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ﴾ [الحج: ١] أي: هول الساعة، وقيام الساعة.
قوله: ﴿شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ [الحج: ١] عظيم بخطره، عظيم بزلزلته، عظيم ببلائه، عظيم بهزة النفس التي تكاد تفقد كل شيء ذهولاً وغفلة، وتكاد تنسى نفسها وكل ما يتعلق بها، فهذه الزلزلة شيء عظيم فظيع كبير لا تكاد النفس تتصوره، ولا تقوم له.
وقد قال تعالى: ﴿وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢١٤]، فقد زلزل المؤمنون وقت البعثة النبوية بكثرة البلاء، وكثرة الاضطهاد، وكثرة التآمر من أعداء الإسلام، فتزلزلت نفوسهم وقلقت خواطرهم، وأخذوا يتحدثون بما لو نطقوا به لكان كفراً، فقد أجاب الله بعد ذلك: ﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ٢١٤].
وزلزلة الساعة يحتمل أنها ما ذكرناه، ويحتمل أنها الزلزلة التي تكون من علامات الساعة الكبرى قبل قيام الساعة عند النفخ في الصور، وقد تكون في قيام الساعة، وقد تكون يوم العرض على الله.
والآية تدل على هذا وذاك، والأحاديث المفسرة تدل على هذا وذاك، ومعنى هذا: أن الزلزلة تكون عند آخر العلامات الكبرى بعد خروج يأجوج ومأجوج الذين يزيد الفساد انتشاراً عند خروجهم، ويهلكون الحرث والنسل، ولا يكون بعدهم إلا الساعة تقوم وهي كالحمل المسن لا يدري أهلها متى تفجأهم بالولادة والوضع أليلاً أم نهاراً؟ أصيفاً أم شتاءً؟ ويتبع ذلك من الأهوال العظام ومن البلابل والفتن ما لا تكاد النفس البشرية تتحملها مهما تحملت، ولكن مع ذلك لا بد من حملها كرهاً أو رضاء.
والله ينذر الناس منذ أن أنزل هذه الآية، ومنذ أن أرسل نبينا صلوات الله عليه وسلم رسولاً للبشر كلهم، بأن الساعة قريبة، وأن الساعة آتية، وأن محمداً ﷺ هو من علامات قربها الأولى، ولذلك يدعو كل الناس إلى أن يجددوا التوبة ويجددوا التقوى، حتى إذا قامت القيامة قامت وهم مؤمنون، موحدون، تائبون لربهم ومنيبون.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ﴾ [الحج: ١] أي: إن قلاقلها، وإن اهتزازها للنفس وللعقل والبدن، وإن هولها لشيء عظيم لا يكاد يوصف ولكن يوصف ما يحدث معها.


الصفحة التالية
Icon