تفسير قوله تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق)
ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الحج: ٦].
هذه إشارة للخلق وللإيجاد، ولوهب الحياة، ولجعل التراب إنساناً، ثم نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم جنيناً سوياً، ثم طفلاً يخرج لهذا الوجود، ثم شاباً يافعاً، ثم كهلاً، ثم شيخاً، ثم شيخاً فانياً، ثم بعد كل ذلك الموت والتراب، ثم البعث بعد الموت.
قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ [الحج: ٦] جل جلاله، ذلك بسبب أن الله وحده هو الحق، فلا صنم ولا شريك ولا وثن ولا ملك ولا نبي ولا إنس ولا جن ولا أي شيء في هذا الوجود، فليس الحق إلا الله.
والله جل جلاله هو الذي يهب الحياة لمن شاء، فهو الذي وهب الموت والحياة، وهو الذي خلق الإنسان في هذه الأطوار، وهو الذي خلق الأرض بعد أن كانت ميتة فأخذت تهتز وتربو.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [الحج: ٦] بعد الخلق الأول بهذه الأطوار التي ذكر جل جلاله، وبعد هذا فهو قادر على أن يحييها ويعيدها كما بدأها أول مرة.
قال تعالى: ﴿قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس: ٧٨ - ٧٩].
قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الحج: ٦]، فالله وحده هو القادر على كل ما يريد، والقادر على كل شيء، ولا يستطيع ذلك ولا يقدر عليه كل من نسب له شريكاً، ونسب له معيناً، ونسب له مؤازراً كذباً وزوراً وافتراءً من المشركين والكافرين، فالله هو المنفرد بالخلق وبالحياة وبالإيجاد، فإن كانت هناك حياة فمن خلقها؟ وإن كان هناك رزق فمن خلقه؟ وإن كان هناك بعث بعد الموت فمن قدره؟ قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الحج: ٦]، فالله الذي يحيي ويميت هو الحق لا حق غيره، ولا حق سواه، وهو المنفرد بالقدرة على كل شيء.
ثم قال تعالى: ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا﴾ [الحج: ٧]، فبعد أن عرض هذا العرض أخذ يخاطب العقول السليمة، ويخاطب المؤمنين بعد أن أكرمهم الله بالفهم وبالعقل وبالإدراك وبالإيمان، يقول عن الساعة: إنه سبق في علم الله كما أنه أوجد هؤلاء الخلق من العدم ثم أماتهم وأفناهم أنه سيعيدهم مرة ثانية، آمن من آمن أو كفر من كفر، فذلك حق لا ريب فيه ولا شك.
قال تعالى: ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا﴾ [الحج: ٧] أي: وكل آت قريب، فستقوم الساعة وسيأتي يوم القيامة.
قال تعالى: ﴿لا رَيْبَ فِيهَا﴾ [الحج: ٧] أي: لا شك ولا ارتياب، ومن شك فيها أو جحدها فهو كافر مرتد لا يؤمن بالله، ولا يؤمن بما جاء به الله، ولا يؤمن برسل الله، وبما أمروا بتبليغه للناس.
قال: ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [الحج: ٧]، فيبعث الموتى من عهد آدم وحواء وإلى آخر ميت من الإنس والجن، وقد قبروا ودفنوا وعاد إلى التراب إلى التراب، وعاد الفناء إلى الفناء، ولكن الله تعالى بعد ذلك يبعثهم ليوم الساعة الذي لا ريب فيه، يبعثهم من القبور ويعيدهم ويحييهم كما بدأهم وخلقهم أول مرة.
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: من آمن بيوم البعث، وأن الله قادر على كل شيء، وأن الله يحيي الموتى، فهو مؤمن يدخل الجنة.
ومن المعلوم: أن من آمن بهذا آمن بالله، ومن آمن بالله أطاعه، ومن أطاع الله آمن برسوله، ومن آمن برسوله أطاعه وعمل بما أمره به قدر جهده واستطاعته، وترك كل ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم.