معنى قوله تعالى: (إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها)
﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ﴾ [الكهف: ٢٩]، والظالمون هنا بمعنى الكفار، وأظلم الظلم الكفر، يقال: ظلم نفسه فأشرك بربه، وأزال الحق عن أهله، فالله الخالق الواحد، فعندما يقول المشرك: إن لله شريكاً أو ولداً أو صاحبة، يكون قد ظلم وأزال الحق عن أهله، ولو كان ذلك في مخيلته وأوهامه، فيكون ظالماً لنفسه؛ لأنه أبعدها عن الحق وساقها للعذاب وسعى في هلاك نفسه ودمارها، وأي إنسان أكثر حمقاً ممن يظلم نفسه، ويسيء إليها، ويقع في عذابها ودمارها؟! ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩]، أي: أعد الله للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها، والسرادقات هي الحواجز التي تكون وراء الخيام، لكي لا يدخل ولا يخرج منها، ومعنى ذلك أن هذه النار محاطة بجدران، بين كل جدار وجدار قالوا: سبع جدران، والجدار سمكه ما يمشى فيه أربعين عاماً، بحيث لا يستطيع أحد أن يخرج منها مهما صاح ومهما ولول ومهما استغاث وبكى وتألم، وسيقال له: ألم تأتك الرسل؟ ألم تنزل على رسلك كتب دعتك لله الواحد، وأنت لا تزال في فسحة من عمرك؟ إنك لم تنتهز حياتك قبل موتك، ولا صحتك قبل مرضك، ولا شبابك قبل شيخوختك، وقد أرسل الله لك نبياً يأمرك وينهاك، ويدلك على الله، وأبيت إلا العناد والكفران والجحود، فهذا جزاء من ينكر ربه، ويشرك به، ومن يكذب نبيه ولا يؤمن به.
﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩] أي: أحاط بالظالمين الكافرين، ومعنى حوطهم أي: حصرهم وحبسهم، فلا منجى ولا منفذ، فحبسوا في هذه النار، وصعدت جدرانها، وسمكت وتكررت وازدادت، بحيث لا يتصور أن يفر عنها فار، وهو خالد فيها سرمداً تحت العذاب والآلام، لا يكاد ينضج منه بدن، إلا ويعوض بدناً آخر وهكذا دواليك، أبد الآبدين ودهر الداهرين.