تفسير قوله تعالى: (لكم فيها منافع إلى أجل مسمى)
قال تعالى: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣].
وهذا مما يدل على أن الشعائر هنا هي الهدايا والضحايا.
فقوله: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ [الحج: ٣٣] أي: لكم في الهدايا منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة، ولكم في المناسك منافع: من تجارة، ومن ثروة، ومن معاملة، ومن سياحة، ومن تعرف المسلمين بعضهم على بعض.
ومنافع الآخرة: الأجر والثواب، وذلك أعظم وأكرم وأكثر أجراً وثواباً من الدنيا ومنافعها.
وقيل أيضاً في تفسيرها: إن كانت هدايا فلكم منافع مما في بطونها ومما في ظهورها من شعور ووبر وركوب وإنتاج ولبن وسمن وما إلى ذلك.
قوله: ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] أي: تنتفعون بها إلى الأجل المسمى، وهو قبل أن تصبح هدايا تهدى ويتقرب بدمها إلى الله، أو قبل أن يضحى بها في عيد الأضحى في غير الحج.
فهذه المنافع قال قوم: تنتهي عندما تصبح هدايا وتعين لذلك.
فعندما تنتهي المنافع فلا تحلب، ولا تركب ولا يستفاد مما في بطنها، وكل ذلك يصبح هدياً معها، وقالوا: إن الهدي لا يركب ولا يحلب ولا يستفاد مما في بطنه، وإذا ولدت وهي هدي يذبح معها ما ولدت سواء كانت بدناً أو بقراً أو ضأناً أو ماعزاً.
وليس الأمر هكذا؛ فإن قوله تعالى: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] أي: انتفعوا بها حتى ولو كانت هدياً، واستدلوا بما قاله ﷺ عندما رأى حاجاً يمشي راجلاً ويسوق هديه أمامه، فقال له (اركبها، فقال: يا رسول الله! إنها هدي، قال: ويحك، اركبها) قال تعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] أي: تحل وينتهي أجل المنفعة بها عندما تصل إلى الكعبة إلى بيت الله الحرام حيث المنحر والذبح، وحيث ما يقدم من الهدايا ومن الضحايا والقربات، وقد أذن ﷺ بركوبها لمن احتاج ذلك وبشرب حليبها بعدما يقطع ذلك عن فصيلها ووليدها، وهذا أدل في الاستدلال، وهو قول المالكية والحنفية، وغيرهم منع من الاستفادة منها إلى أجل مسمى، والأجل المسمى هو وصولها إلى البيت العتيق، حيث يحل الحاج وينتقل من الإحرام إلى الحل، ويكون ذلك عند طواف الإفاضة وطواف الزيارة بعد نزوله من عرفات، أي: بعد الحلق أو التقصير والنحر والذبح يوم النحر في منى ينزل فيطوف طواف الإفاضة، وهو الركن الواجب من الثلاثة الأطوفة، وعند ذلك ينتهي الانتفاع بها؛ إذ تكون قد بلغت محلها، ويكون الإنسان قد حل وأزال الإحرام وانتهى من المناسك، ولم يبق إلا مكثه في أيام منى وهو حال غير محرم.
فقوله تعالى: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] أي: منافع الدنيا والآخرة إلى الأجل المسمى وهو وصولها إلى البيت العتيق والحرم، والحرم كله منحر، ومنىً كلها منحر، وقد نحر ﷺ بدناً وقال: (الحرم كله منحر)، وقال: (منى كلها منحر)، فينحر ويذبح في منى، وفي الحرم من بدايته إلى منتهاه، وكذلك منى.