تفسير قوله تعالى: (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده)
قال الله تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧].
مع بلادة هؤلاء وسخافة عقولهم، وعدم الاستفادة من حواسهم أسماعاً وأبصاراً عقولاً وقلوباً يستعجلون بالعذاب، قال تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ [الحج: ٤٧]، فتجد قائلهم يقول: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢]، فبلغ من حمقهم وعمى بصائرهم قبل الأبصار أن دعوا على أنفسهم واستعجلوا العذاب، وقد أنذرهم الله وتهددهم وتوعدهم في كتابه، وأنذرهم رسوله ﷺ بسنته وببيان كتاب الله المنزل عليه، وإذا بهم يتحدون مكذبين: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأنبياء: ٣٨].
قال تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ [الحج: ٤٧] فالعذاب آت، ولكن متى ما يريد سبحانه لا متى يريدون هم، فالله أرحم من أنفسهم لأنفسهم، وأرحم بهم من نفوسهم، فهو قد أمهلهم وأعطاهم فرصة لعلهم يوماً يتوبون، وإلى الله يئوبون، لعل الله أن يخرج من أصلابهم مؤمنين موحدين يقولون يوماً: لا إله إلا الله.
قال تعالى: ((وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ))، فالله وعده لا يخلفه، بل لابد منه وهو آت، والوعد هنا يراد به الوعيد، فالوعد لا يخلف، والوعيد قد يخلف؛ لأنه قد يهدي الله من توعده وأنذره، فيتوب ويئوب فيغفر له، وقد يكون موحداً فيعود إلى الله ويغفر له كذلك، وفي لغة العرب وفي سجاياها: أن الوعد للخير لا يخلف، وإخلافه قلة مروءة، وأن الوعيد بالشر يخلف، وإخلاف الوعيد مكرمة ونبل وإحسان، ولذلك يقول شاعر العرب: وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي أي: إذا أوعدت إنساناً بالشر أو وعدته بالخير فإني مخلف إيعادي له بتهديده والشر له، أخلفه نبلاً وكرماً.
وموف بموعدي، أي: وعدي له بالخير، والقرآن نزل بلغة العرب، وهنا قال الله: وعد ولم يقل: وعيده، ((وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ)) أي: لن يخلف الله وعده بنصرة المؤمنين، ولن يخلف الله وعده بالمغفرة والرحمة لهم، ولن يخلف الله وعده برحمته للكافرين بأن يمهلهم ويملي لهم؛ علهم يعودون ويتوبون، وإن لم يفعلوا فإنه يخرج من أصلابهم مؤمنين.
وهكذا قال ربنا عن نبينا عندما أرسله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] وفي الحديث القدسي: (غلبت رحمتي غضبي) وهي أول ما كتب في اللوح المحفوظ، ومن رحمته حتى بالكافرين أنه يملي لهم ويمهلهم؛ ليعطيهم فرصة للتوبة وللأوبة، أو فرصة بأن يلدوا فيكون من أصلابهم المؤمنون.
قال تعالى: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧].
أي: يوم القيامة، فيوم من أيام يوم القيامة كألف سنة من عدد سنوات الأرض، فاليوم يطول والأيام تختلف بحسب الشروق والغروب، ويوم القيامة لا شمس فيه ولا زمهرير، ولا حر ولا قر.
قال تعالى: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى﴾ [طه: ١١٨ - ١١٩].