تفسير قوله تعالى: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً)
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ [الحج: ٦٣].
أي: ألم تر أيها الإنسان، وإن كان الخطاب أولاً لنبينا خاتم أنبياء الله في الأصالة، لكن هو خطاب لجميع الناس، مؤمنهم وكافرهم، وكأن المعنى: ألم تر أيها الإنسان ممن له عين تبصر، وأذن تسمع، وقلب يعي، ﴿أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ [الحج: ٦٣].
أي: هذه الأرض الميتة الهامدة التي تراها صحراء قاحلة، وتظن أنها لن تنبت، قد أنبتت بإذن الله، وهذه الأشجار التي نرها الآن في مكة والمدينة وفي الكثير من صحاري الحجاز، بل وصحاري الجزيرة العربية، ما كانت تعرف قبل بضع سنوات ولا توجد، ثم نحن اليوم نرى الأشجار، فبعد نزول المطر بضع ساعات ترى الأرض في اليوم التالي مباشرة وأنت في السيارة أو في الطائرة قد أخذت بالاخضرار.
وهذا معجزة إلهية، فالنبي عليه الصلاة السلام قد قال لنا: (لا تقوم الساعة حتى تصبح جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً، وحتى يخرج الرجل بزكاته فلا يجد من يقبلها، ويقول له: أعطها لغيري، أنا لست في حاجة إليها).
وكلا الوصفين النبويين أخذنا نعيش فيهما، ففي الحجاز أصبح الماء يصعد إلى أعلى طبقات بنايات عالية، كأرض الشام والمغرب وتركيا وغيرها من البلاد ذات المياه الغزيرة الفياضة، فقد كان هنا شخص يسمى السقاء، فما عدنا نراه ولا يعرف، وأولادنا لا يعرفونه؛ لأنه مضى عليه أكثر من عشرين عاماً، فندخل البيت وإذا بالمياه تصعد من الأرض إلى أعلى دور، وهكذا وسيزداد ذلك، ولقد قال الخبراء الزراعيون: إن أرض الحجاز بل أرض صحراء الجزيرة يوجد الماء تحت جميع أرضها، فهي أرض على بحر من ماء، وحيثما حفرت تجد الماء.
ويوشك إذا لم يفعل ذلك بها -أي: أن تحفر- أن تنفجر يوماً في كثير من النواحي والجبال، وفي كثير من الصحاري، وهذا شيء لا يكاد يوجد في خارج جزيرة العرب، وهو من إخبار النبي عليه الصلاة السلام بالغيب، ومن المعجزات النبوية التي أدركنها ولم يدركها سابقونا، فسابقونا آمنوا بها تصديقاً، ونحن نؤمن بها واقعاً ومعايشة ومعاصرة.
وقوله سبحانه: ﴿فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ [الحج: ٦٣].
أي: أن الله ينزل الماء على الأرض الميتة التي لا حراك بها ولا تنبت، ولا يكاد يوجد فيها حتى حشرة -لأن الحشرات لا تعيش إلا بالماء- كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠].
فانظروا إلى الأرض الميتة وقد أمطر الله عليها غيثاً، كيف تصبح مخضرة، فتربو وتتحرك بما يخرج منها، وهذا الذي نراه.


الصفحة التالية
Icon