تفسير قوله تعالى: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر)
قال تعالى وهو يصف كفرهم، ويصف علامات حقدهم وبغضائهم لأهل الحق من الرسل والموحدين، قال عن هؤلاء: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الحج: ٧٢].
يقول الله عن هؤلاء ليعرفهم النبي عليه الصلاة والسلام والمؤمنين معه، وليعرفوهم بسيماهم وبلحظاتهم ونضرتهم الشزراء، ليعرفوهم بوجوههم المبتسرة العابسة المتجهمة التي تكاد يبدر منها الإيذاء والشر، عندما يرونك ويرون أدلتك واستدلالك وما تقرأه من آيات بينات، قال ربنا عن هؤلاء: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾ [الحج: ٧٢].
أي: إذا قرأت عليهم أدلة قدرتنا، وآيات كتابنا، ومعجزات رسلنا، وبينات عندهم علموها، وتبينوها، وأدركوها وعلموا ما فيها، ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ﴾ [الحج: ٧٢] أي: هؤلاء الذين إذا تليت عليهم آياتنا بينات تجد على وجوههم عبوساً جهاماً واكفهراراً، وتجد في نظراتهم شزراً، وتجد في نظراتهم حقداً وعداوة، وتجدهم متأففين متوجعين متبرمين.
﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ﴾ [الحج: ٧٢] أي: تعرف أنهم أنكروك، وأنكروا آياتك، وأنكروا أدلتك، أنكروك البتة بأدلتك وبراهينك قبل أن يتكلموا وقبل أن ينازعوا أو يجادلوا، فهؤلاء تعرفهم بسيماهم، وتعرفهم بنظراتهم.
﴿يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ [الحج: ٧٢].
(يكاد) من أفعال المقاربة، أي: قاربوا أن يسطون بالتالي وبالداعية وبالرسول وبنائب الرسول، وكادوا يضربونه وكادوا يشتمونه ويسبونه وكادوا يثورون في وجهه.
﴿يَكَادُونَ يَسْطُونَ﴾ [الحج: ٧٢] يسطون من السطوة، ومن الطغيان والاعتداء والجبروت باليد أو باللسان أو بكليهما، فهؤلاء عندما يسمعون ذلك، وتقرأ في وجوههم المنكر وهو الاستنكار لما تقول، والحقد والبغضاء بما في نفوسهم عليك، ويكادون يسطون ويظلمون ويعتدون يتجبرون ويطغون بالذين يتلون عليهم آياتنا، وبمن سمعوه يقرأ الآيات، ويدعو إلى الله ويهديهم إليه، فتجدهم يكادون أن يفترسوه بالأعين والنظرات الشزراء قبل اليد وقبل اللسان، وهذه صفة للكفار المعاصرين للنبي عليه الصلاة والسلام، وهي صفة مستمرة لكل الكفار في كل زمان، فنرى هذا في الكفار المعاصرين، ونشعر بهم عندما نقف خطباء، أو مدرسين أو مذاكرين، أو داعين إلى الله، فتجدهم يتبرمون بك، وقد يمنعونك من الكلام، وقد يؤذونك إذا كانت السلطة بيدهم.
فلطالما حدث هذا ولا يزال يحدث من أعداء الله المشركين ومن الطغاة الجبابرة مما يعلمه كل أحد، سواء من الكفرة المكشوفين، أو الكفرة المنافقين الذين يحملون أسماء إسلامية وجغرافية إسلامية، ويزعمون أنهم أبناء المسلمين والمسلمات، وما هم إلا كفرة فجرة يحقدون على الإسلام حقد اليهود والنصارى والمجوس.
قال تعالى: قل لهؤلاء يا محمد: ﴿قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ﴾ [الحج: ٧٢] أي: أتريدون يا أيها الحاقدون المشركون الذين تريدون أن تسطوا بمن يريد هدايتكم، وبمن يريد دعوتكم للحق، وبمن يريد لكم الخير، وأنتم تريدون لهم الشر، أؤنبئكم بما هو أشر من ذلك بالنسبة لكم؟ أتريدون أن أخبركم بشر من ذلكم؟ وليس هذا مقابلة؛ فإن أفعال التفضيل حسب اللغة العربية تقتضي المشاركة والزيادة، وشتان بين أن يقارن بين الخير والشر لنقول: هذا أخير، وهذا أصلح، ولكن باعتبارهم فإنهم رءوا للحق إلا شراً، وما رءوا للنور إلا ظلمة، وما رءوا في الهداية إلا ضلالاً.
فهذا الذي اعتبروه شراً قال الله لنبيه: قل لهؤلاء، وليقل بذلك خلفاء رسول الله: خلفاء السيف أو القلم، من ورثته من العلماء: أخبروا هؤلاء الطغاة الكفرة الفجرة: ﴿أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ﴾ [الحج: ٧٢] أي: بشر من ذلك وبأقبح من ذلك، وبما شره أدوم، وبلاءه عليكم: النار التي ستقعون فيها وسيخلدون فيها، والتي سيبقون فيها، وكلما نضجت جلودهم أبدلهم الله جلوداً غيرها؛ ليذوقوا العذاب ويستمروا فيه.
النار الخالدة التالدة التي لا تفنى وتبقى باستمرار، فقد ذبح الموت؛ ذبح في صورة كبش، فلا موت لأهل النار ولا موت لأهل الجنة، وقد قال الله لهؤلاء: خلود ولا موت، وقال لهؤلاء: خلود ولا موت.
﴿قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ﴾ [الحج: ٧٢] هذا استفهام إنكاري تقريعي، أي: قل يا محمد: أفأنبئكم بشر من ذلك، أي: بما هو أشر من ذلك لكم، وأدوم بلاء عليكم: النار فهي أدوم بلاء.
(وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (وعدها الله) من الإيعاد هنا، والوعد يكون للخير ويكون للشر، والإيعاد لا يكون إلا للشر، وعدهم الله إياها، وأوعدهم بسعيرها، وأوعدهم بعذاب النار وبئس المصير، بئس مصيرهم وعاقبتهم، فإنهم سيجدون عند العاقبة والمصير الشر والبلاء والعذاب والنقمة.