تفسير قوله تعالى: (الذين هم في صلاتهم خاشعون)
قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ١ - ٢].
أول صفة صلاح هي الخشوع في الصلاة، وقد جاءت بعد اتصافهم بالإيمان، ويوصف بالإيمان كل من نطق بشهادة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم يأتي بعدها الصلاة.
وقد سئل ﷺ كما في الصحيحين: (أي عمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قيل: ثم أي يا رسول الله؟! قال: بر الوالدين، قيل: ثم أي يا رسول الله؟! قال: الجهاد في سبيل الله).
فالصلاة تأتي بعد الشهادتين، وبر الوالدين بعد الصلاة، والجهاد يأتي بعد التوحيد وبعد الصلاة وبعد بر الوالدين، ومن البر إذا كان الولد وحيد أبيه وأمه ألا يحج، وحجه خدمة أبيه وأمه، فقد جاء إلى النبي ﷺ شاب يقول له: (يا رسول الله! أريد القتال والجهاد معك، قال: ألك أبوان؟ قال: لي أم، قال: إن الجنة عند قدميها) أي: الزمها، فجهادك وما تريد من شهادة وما تريد من فوز بالجنة هو في ملازمة قدميها خدمة وطاعة وبراً.
﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] وصف المؤمنون بأول وصف بعد الإيمان وبعد النطق بالشهادتين واليقين بالجنان أن يكونوا مصلين، وهم خاشعون في صلاتهم، والخشوع: هو سكون الجوارح، والأدب، واستشعار الوقوف بين يدي الله.
والكثير من البدو والأعراب وممن لا يعلم صلاته ولا دينه لا يتذكر لحيته، ولا يتذكر العقال، ولا يتذكر الهندام إلا وهو يصلي، فتجده يصلي وهو يتلاعب بيديه وبجسمه وبحركاته، وقد رأى النبي ﷺ مصلياً يصلي وهو يعبث بلحيته فقال عنه: (لو خشع قلب هذا لما عبثت يده بلحيته)، ومعنى ذلك أن الخشوع هو السكون.
وكان الصحابة في الصلاة يرفعون أبصارهم إلى السماء، وينظرون يميناً وشمالاً ولو لم يلتفتوا، فورد المنع من ذلك، فالخشوع هو سكون الأعضاء جميعاً، والخشوع هو تفرغ القلب للصلاة وما تصنعه فيها، والخشوع هو النظر إلى مكان سجودك؛ حتى لا يشغل بصرك بغاد ولا رائح، والخشوع هو أن تخشع حواسك؛ لتفهم ما أنت داخل عليه وما أنت حال فيه، فعندما تقول: الله أكبر فإنك تصغر غير الله، فكل مخلوق صغير أمام جلال وعظمة الله، فتتفهم معناها وتتفهم معاني سورة الفاتحة، وهكذا في التسبيح والتعظيم والجلوس والاستغفار، وكل تلاوة الصلاة وذكرها وتكبيرها تخشع فيه؛ لتتفهم معناها، وأن تهدأ أعضاؤك خاشعاً ذليلاً بين يدي ربك، قاصراً نظرك إلى محل السجود.


الصفحة التالية
Icon