تفسير قوله تعالى: (والذين هم على صلواتهم يحافظون)
ثم قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٩].
فابتدأ بالصلاة وأتم بالصلاة، ابتدأ الصفة الأولى من صفات المؤمن بقوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢]، وختم بهذه الصفات النبيلة الرفيعة العالية الشأن فقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٩]، فتلك للخشوع في الصلاة، وسكون الحواس وسكون الأعضاء، وفراغ القلب للعبادة، وتصورك أنك بين يدي الله تناجيه، وتسجد له، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وتخاطبه بكاف المفرد، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥]، وتقديم العامل على المعمول يدل على الحصر، أي: لا أستعين بغيرك، ولا أعبد غيرك، وينبغي أن تكون صادقاً في ألا تخاف سواه، وألا تعبد مراءاة، وألا تعبد للتسميع وإلا كان بك جزء من الشرك الخفي شعرت أو لم تشعر، ولا يقبل الله إلا ما كان خالصاً له، وما أشرك فيه يضرب صاحبه به على وجهه.
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٩] أي: يحافظون عليها، ويصونونها ويلتزمونها، والمحافظة على الصلوات إتيانها في أول أوقاتها، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله جل جلاله الصلاة لأول وقتها)، وورد عنه ﷺ أنه قال: (الصلاة في أول وقتها رضوان الله، وفي وسطها رحمة الله، وفي آخرها عفو الله)، وشتان بين الرضا والعفو، فالرضا هو الثناء والإعجاب بما فعلت، فيرضي ذلك المعبود جل جلاله، والعفو إذا كان هناك نوع من المخالفة كأن تأتي بالعبادة في آخر الوقت، ومع أنك قمت بها فقد عفا الله عنك، وأما خروجها عن وقتها فهو كبيرة من الكبائر، وخاصة إن كانت الصلاة التي يخرج عن وقتها هي صلاة العصر، فصلاة العصر هي الصلاة الوسطى كما نص عليها ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره، والذي فاتته صلاة العصر قال عنه عليه الصلاة والسلام: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)، فكأنه فقد أهله وماله، فقد كان ذا أهل ومال وأصبح وقد أفلس من المال، وتفرد وتغرب عن أهله، ومن يقبل ذلك ويرضاه! ومن فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله، وهذا من العظائم، وهذا يدل على أن هذه الصلاة أعظم الصلوات الخمس، فالصلوات الخمس كلها عظيمة ولكنها هي أعظم.