تفسير قوله تعالى: (أولئك هم الوارثون)
﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠].
﴿أُوْلَئِكَ﴾ [المؤمنون: ١٠] الذين وصف الله: أولئك الخاشعون في الصلاة، والمعرضون عن اللغو، والمؤدون للزكاة، والحافظون لفروجهم ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [المؤمنون: ٦]، والمحافظون على أمانات الله وأمانات البشر، والمحافظون على عهودهم ومواثيقهم، والمحافظون على الصلوات في أوقاتها وبأركانها وشروطها، هؤلاء الذين التزموا ذلك وتحلوا بهذه الأخلاق الفاضلة أولئك هم الوارثون، ثم زيادة في التنبيه والتنويه ولفت الأنظار والأسماع: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠] يرثون ماذا؟ فالإنسان يتشوف لأول مرة، وعندما نزلت الآية وسمع المسلمون ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠] أصبحوا كلهم آذاناً صاغية، فقال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ﴾ [المؤمنون: ١٠ - ١١]، فهم يرثون إرثاً عظيماً إرثاً خالداً إرثاً لا إرث مثله، فلا ملك ولا جاه ولا مال ولا أي شيء يساويه، إنه إرث الرضا الإلهي، وإرث النعيم الأبدي، وإرث النظر إلى وجه الله الكريم، فهو تنعم بما لم تره عين، ولا سمعته أذن، ولا خطر على قلب بشر، إرث ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠] جمع وارث، والإرث معروف أنه يكون عندما يموت للإنسان قريب له فيرث ماله أو بعض ماله حسب الصلة وحسب الحصص إن وجد هناك ما يورث.
﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: ١١] الفردوس هي أعالي الجنة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الفردوس أعلى الجنة، وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس)، اللهم إنا نسألك الفردوس بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين! ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠ - ١١] أنثت بمعناها لا بلفظها، فهي الجنة والجنة مؤنثة بلفظها، ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا﴾ [المؤمنون: ١٠ - ١١] أي: في الجنة، ﴿خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: ١١] خلوداً أبدياً لا موت فيه ولا شيخوخة ولا فناء ولا عطش ولا زمهرير ولا مرض، ولا ما يخرج من الإنسان، إن هي إلا اللذائذ والنعم المتنوعة التي هي في كل لحظة تتغير وتتبدل، فينتقل الإنسان فيها من درجة إلى درجة، فيتزاور الأحباب في الدنيا إذا جمعتهم الجنان، ولا يكل ولا يمل ولا يبقى له فرصة للكلل ولا للملل، ويتجلى الله الكريم لعباده المتقين فينظرون إليه، ويكون هذا النظر الكريم ألذ وأنعم ما في الجنة من لذائذ الحور العين، ولذائذ الفواكه، ولذائذ الفرش، واللذائذ التي نتصورها في الدنيا، وكما قال الإمام حبر القرآن عبد الله بن عباس: ونعيم الجنة ليس منه مما في الدنيا إلا الأسماء، فما نسميه في الأرض بكل ما يخطر في البال إنما هي أسماء في الجنة تقرب المعنى، وأما الأشياء فليست كالأشياء، والنعيم ليس كالنعيم، فشتان بين نعيم فانٍ وبين نعيم باق، وشتان بين نعيم تحاسب عليه وبين نعيم تخلد فيه دون حساب ولا متابعة ولا مؤاخذة.
والإرث في معنانا الدنيوي: أن مالاً أو جاهاً لأب أو قريب كان له فأخذناه، فلمن كانت الجنة لنرثها نحن منه؟ قال جمهور المفسرين -وإن كان لا حاجة لهذا التفسير-: إن لكل إنسان في الأرض منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار، فالمؤمن عندما يدخل الجنة فإنه يدخل منزله الذي أعده الله له، ومنزله من النار يرثه الكافر ويحل فيه، والكافر إذا دخل النار كان له منزل في الجنة لو مات على الإيمان، فيرث المسلمون منازل الكافرين فيكونوا بذلك ورثتهم، ولا حاجة لهذا التفسير؛ فلم يرد في سنة ولا في آية أخرى.
﴿يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ﴾ [المؤمنون: ١١] الفردوس خلقها الله ليرثها المؤمن، وقد خلقها الله بيده، وغرس شجرها بيده، وخلق نعيمها بيده، ولذلك عندما قال للجنة تكلمي قالت: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] إلى ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠].
وفي رواية قالت: طوبى لمن يدخلني، أنا منازل الملوك حقاً، فهؤلاء الذين سيكونون قد ملكوا ملكاً حقاً دائماً، ففيه من أنواع اللذائذ ومن أنواع النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠ - س١١] أي: المؤمنون المتصفون بهذه الصفات هم خالدون في الفردوس وفي ذلك النعيم.