تفسير قوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين)
قال الله جلت قدرته: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٢ - ١٤].
علمنا الله في آيات مضت صفة المؤمن الواجبة: من كونه لابد أن يؤمن بالله لساناً، وأن يعتقد ذلك جناناً، وأن يعمل بذلك أركاناً، ومن الأركان الخشوع في الصلاة، وإيتاء الزكاة، وترك الباطل، واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والقيام بالعهود والأمانات، والمحافظة على الصلوات، وفي هذه الآيات يقص علينا قصة خلق الإنسان، وكيف تطور في أطوار مختلفة منذ خلقه الله من التراب إلى أن صار نطفة، ثم علقة، ثم مضغة.
فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢] السلالة تعني الماء المصفى، والسلالة تعني مني الإنسان، والسلالة تعني الذرية وما ينشأ عنها مسلسلة من تراب فمني فمضغة إلى آخر أطوار بني آدم.
والألف واللام في الإنسان للجنس، أي: جنس الإنسان، أي: بني آدم، وآدم خلق من تراب، والإنسان بعد ذلك خلق من ماء مصفى يخرج من بين الصلب والترائب، أي: من صلب الرجل وترائب المرأة وهي عظام صدرها من الترقوة إلى السندوة، فيجتمعان معاً فينشئ الله منهما خلقاً جديداً، فهي نطفة تصير إنساناً، وفي النهاية تكون ذكراً أو أنثى.
فأصل الخلقة التراب، ثم بعد التراب جاءت سلالة التراب وهو الماء المصفى -المني- الذي كون بعد ذلك من آدم وحواء فكنا جميعاً من ذلك الماء المهين كما قال الله جل جلاله.
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢] أي: جنس الإنسان، فالإنسان المولد المسلسل من آدم وحواء خلقه من هذا الماء وهذا الماء الذي كون وخلق ونشأ نشأ عن الطين الذي منه خلقة آدم، ومن خلقة آدم خلقت حواء من ضلع أعوج كما قال تعالى بأنه خلق منها زوجها، وقد صرح بذلك ﷺ كما في الصحيح: (أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فإن أنت أردت تقويمها كسرتها، وإن أنت صبرت عليها ففيها عوج)، والضلع الأعوج هي ضلوع الصدور، والله قادر على كل شيء وأرانا قدرته في خلق الإنسان، فخلق الإنسان الأول وهو آدم خلقه من تراب، وخلق الإنسان الثاني الأنثى حواء خلقها من جزء من آدم، ثم خلقنا من أب وأم من مضغة من ماء، ثم خلق بعد ذلك عيسى من امرأة بلا رجل، فكانت قدرة الله جل جلاله القادرة على كل شيء، كما خلق بقدرته ناقة صالح من حجر بلا ذكر ولا أنثى بلا فحل ولا ناقة.
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ﴾ [المؤمنون: ١٢]، والسلالة ما يسل ويصفى من الشيء، فقد صفي ماء من التراب، وصفيت نطفة من الإنسان الأول، ثم تكون الإنسان من هذه السلالة، ويقال: فلان من سلالة فلان، أي: من ذريته ومن نطفته.


الصفحة التالية
Icon