تفسير قوله تعالى: (ثم إنكم يوم القيامة تبعثون)
قال الله بعد ذلك: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٦].
فتلك الفترة بين الحياة الأولى والحياة الثانية ليست إلا رقاداً واستراحة ونوماً، ثم بعد ذلك نبعث ونحيا حياة ثانية، وتلك الحياة أبدية لا موت فيها، فمن دخل الجنة فإلى أبد الآبدين ودهر الداهرين، ومن دخل النار فإلى أبد الآبدين ودهر الداهرين، ثم مع ذلك يقولون: إن الروح لا تفنى، وإن في الإنسان في سلسلة فقرات ظهره ما يسمى بعجب الذنب، وهي قطعة من العظم على قدر العدسة، يقولون: هذه كذلك لا تفنى، وتبقى كالبذرة في التراب حتى إذا سقى الله الأرض عند إعادتها للحياة فإنه يعيد من ماتوا وبادوا وانتهوا عن طريق إنباتهم من عجب الذنب هذا، ومن أجل ذلك يقول الحسن البصري: خلقنا للأبد، وإنما هي نقلة من دار إلى دار: من دار الفناء إلى دار البقاء، من دار التكليف إلى دار الامتحان، وتشريف من شرفه الله وعقوبة من عاقبه الله ممن عصى أو مات على الشرك، ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٦].
وهكذا منذ الماء من الصلب والترائب، ومنذ النطفة إلى الوجود إلى الرجولة إلى الموت، ثم إلى البعث والمحاسبة على ما قدمنا في دار الدنيا، فقد رزقنا الله عقلاً وتفكيراً نميز به بين الحق والباطل، وبعد أن أنصتنا إلى كتاب الله الذي يخاطبنا: يا أيها الناس! يا أيها الذين آمنوا! سنسأل بعد ذلك عما استجبنا له لربنا في كتابه، وعما استجبنا له في ذلك لنبينا ﷺ في رسالته، فإن كان الجواب فوزاً ونجاحاً فسيكون كتابه بيمينه علامة فوزه وعلامة نجاحه بالرحمة والرضا ودخول الجنان، وإن قبض كتابه بيساره وشماله فسيكون ذلك علامة رسوبه وعلامة عدم نجاحه، فإلى النار وإلى غضب الله.