تفسير قوله تعالى: (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق)
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾ [المؤمنون: ١٧].
كثيراً ما يجمع الله جل جلاله بين قصة خلق الإنسان وقصة خلق العالم، كيف خلق السماء والأرض وكيف خلق الإنسان هذا سيد الأرض، الذي جعله الله خليفة عنه، إذ قال ربنا يوم خلق آدم للملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠]، فسماه خليفة، وقال: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ﴾ [ص: ٢٦]، فسماه خليفة، والإنسان كله خليفة الله على الأرض، بمعنى أن الله رزق الإنسان عقلاً؛ ليفهم ويتدبر ليقبل أو يرفض، ليطيع أو يعصي، وهكذا الإنسان منذ خروجه إلى العالم ومنذ زرع الله فيه العقل والرشد فهو إما سيستجيب فيكون له الجنة والرضا، وإما أنه سيجحد ويشرك فتحل عليه اللعنة والغضب والخلود في النار.
فذكر الله بعد قصة خلق الإنسان بأنه خلق فوقنا سبع طرائق، والطرائق هي السماوات السبع، وهي كالنعل عندما يطرق نعل على نعل، فهي هكذا طبقة على طبقة، فالسموات طباق كما قال تعالى، فهي طبقة على طبقة وسماء على سماء وهكذا إلى سبع سموات إلى سدرة المنتهى إلى العرش، وأشار سيدنا ﷺ بيده هكذا وأشار كالقبة، وأن العالم هكذا كله كروي، وهذا ما أجمع عليه المسلمون قبل أن يخطر هذا في بال إنسان في الأرض، فخلق الله الأرض كروية والسموات كروية، والعرش فوق الكل كالكرة وأشار بيده هكذا كالكرة، وذكر الإجماع علماؤنا قديماً وحديثاً نص على ذلك ابن حزم وابن تيمية وغيرهما من أئمة المسلمين، ومن نفى ذلك وحاول أن يقول غيره فيكون قد خرج عن إجماع المسلمين.
خلق فوقنا سبع سماوات وجعلها طبقاً على طبق، وطريق فوق طريق، وفسروا طرائق أنها طرائق للملائكة يطرقونها ويمرون فيها، ويجعلونها طرائق لهم لتلقي الأوامر الإلهية وللعبادة، وقد قال سيدنا صلى الله عليه وعلى آله: (أطت السماء وحق لها أن تئط؛ ما من موضع قدم إلا وعليه ملك ساجد أو راكع) أي: صوتت السماء بثقل الملائكة عليها كما يصوت السقف عندما يصنع من خشب ويكون عليه ثقل، فتجده يصوت، فكذا صوتت السماء لكثرة من تحمل من الملائكة التي العبادة لها كالنفس للإنسان، فتعيش ليلاً ونهاراً على الذكر والعبادة ولا تأكل ولا تشرب ولا تتناكح ولا تتوالد ولا تشتهي، فهي في عبادة دائمة مستمرة راكعة أو ساجدة أو تقول: لا إله إلا الله، أو سبوح قدوس إلى أنواع العبادات لساناً ويداً ورجلاً وحواساً وبكل ما يملك الملك، فهذه السموات السبع طرائق للملائكة، فقد كانت يوماً كذلك طرائق لنبينا سيدنا عليه الصلاة والسلام عندما أسري به إلى السموات، فتنقل فيها وسار إليها سماءً بعد سماء، ووجد أباه الأول آدم عليه الصلاة والسلام، كما وجد بعض إخوانه الأنبياء، ووجد أباه إبراهيم عليه السلام كذلك إلى أن وصل إلى سدرة المنتهى إلى أن كان قاب قوسين أو أدنى، ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ [النجم: ١٧]، لم يذهله ذلك عن ربه، ولم يضعه عن ربه وعبادة ربه وتوحيد ربه، وكونه معه حساً وحواساً.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾ [المؤمنون: ١٧] خلقنا السموات وخلقنا فيها ما يصلحها مما يرفعها بغير عمد كما ترونها، ومع ذلك لم نغفل الإنسان عن حاجته من مطر ونبات وطعام وشراب، ومن هداية ورسالة وكتب وأوامر ونواه، فلم يغفل الله البشر، فكان الحي القيوم عليهم يرزق الكل، ويحيي من شاء، ويميت من شاء، وجعل لهم ما ينفعهم في دنياهم، ثم أخذهم إليه، ثم عرضهم عليه سبحانه بعد أن ماتوا؛ ليسألوا ويحاسبوا على ما قدمت أيديهم في الدار الدنيا، فلم يغفلهم عن رسالة، ولم يغفلهم عن رزق، ولم يغفلهم عما هم بحاجة إليه، فقد وسعت قدرته جل جلاله جميع خلقه من ملك وجن وإنسان، ومن هوام ودواب وطير، فقد قام بالكل وقد رزق الكل جل جلاله من غير حاجة إلى معين ولا شريك جل وعز عن كل ذلك.


الصفحة التالية
Icon