تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه)
قال الله جل جلاله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ [المؤمنون: ٢٣].
يقص الله جل جلاله علينا قصة نوح لنعتبر بما فيها من حكم وأمثال، ومن تشابه بين الكفر قديماً وحديثاً، وما جعله الله عقوبة ونقمة من المكذبين للرسل والمشركين بالله، فقال تعالى: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ)) أرسل نوحاً إلى قومه؛ ليبلغ عنه، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويرشدهم إلى عبادة الله، ويأمرهم بترك الأوثان والشرك بالله، وليتحلوا بالأخلاق الفاضلة في ظواهرهم وبواطنهم، ويكونوا مسلمين أنفسهم وعقائدهم وحياتهم لله الخالق الرازق.
وقد كان الرسل قبل يرسلون إلى أقوامهم وإلى عشائرهم فقط، وما أرسل للناس كافة بشيراً ونذيراً حال حياته وبعد حياته إلى يوم القيامة إلا نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه، فليست هناك ديانة عالمية إلا دين الإسلام، وليس هناك رسول عالمي إلا محمد خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، ونوح جاء بعد إدريس وآدم، وزعموا أن بينه وبين آدم ألف عام، والقطع بذلك الزمن الذي بينهما لا يتأتى، ولكنه كان أقرب الرسل إلى آدم، فما بينه وبينه إلا إدريس عليهم وعلى نبينا جميعاً السلام.
((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ)) أي: امتثل نوح وأطاع وذهب يبشر وينذر قومه، ((فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ)) فقام نوح منذراً ومبشراً، مبشراً للمؤمنين إن هم آمنوا ووحدوا وتركوا الشرك والأوثان أن لهم الجنة، وبشرهم بأن الله يرضى عنهم ويرحمهم، وأنذر المشركين إن هم استمروا على الشرك والكفر بغضب الله وسعيره.
((فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) دعاهم إلى عبادة الله الواحد لا إله إلا هو، ولا معبود بحق سواه.
((فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ)) ألا تتقون الله وتجعلون وقاية بينكم وبين عذابه ونقمته وتأديبه: فتؤمنون بالله الواحد، وتتركون عبادة الأصنام والأوثان، فكل ذلك ضلال وباطل ما أنزل الله به من سلطان؟


الصفحة التالية
Icon