تفسير قوله تعالى: (فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا)
﴿فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾ [المؤمنون: ٤٧].
أي: مستخدمون مستعبدون، ((فَكَذَّبُوهُمَا)) بسبب الحجة الباطلة من كونهما بشرين، ومن كون قومهما لهم عابدين مستعبدين، ((فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ)) كذبوا موسى أن يكون نبياً رسولاً، وكذبوا هارون أن يكون نبياً ورسولاً، فكانوا بذلك مكذبين لرسالة إلههم وللكتاب المنزل عليهم، فازدادوا بذلك إثماً وعتواً وفساداً في الأرض، فحلت عليهم العقوبة وحلت عليهم النقمة، فدمرهم الله وأغرقهم وأصبحوا كأمس الدابر، وملك الله موسى وهارون وقومهما ديارهم، وملكهم جنانهم وخيراتهم وكنوزهم وما اشتغلوا له وعملوا من أجله قروناً تتبعها قرون.
والله حين يعرض علينا هذا يعرضه على من عاصر النبوءة المحمدية، وعلى من جاء بعدهم، وفي معناه الإنذار والتهديد والوعيد، أي: إذا لم تؤمنوا ولم تصدقوا ولم تقبلوا الآيات البينات التي أتى بها محمد صلى الله عليه وعلى آله، فما عوقب له الأولون سيعاقب به الآخرون، فهو نذير ووعيد، وقد كان ذلك ولا يزال لكل أمة ولكل شعب إذا أبى الإيمان وأبى الهداية، وكذب الرسالة، وكذب الرسول فالله جل جلاله يدمره في الدنيا.
ووقف تدمير الناس بعد خروج نبينا ﷺ عن أن يمسخوا قردة، وعن أن يمسخوا خنازير، وعن أن يضربوا بما ضرب الله به من سبقهم من الصيحة والزلزلة والزعازع التي نزلت من السماء وقامت من الأرض، فكانوا كأن لم يعيشوا يوماً ولم ينبسوا ببنت شفة يوماً، فهذا لا يحدث بعد؛ تكرمة للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا لا يمنع من أن يستعبدوا أصلاً، ومن أن تؤخذ منهم نساؤهم وأموالهم غنائم، وهكذا حصل فقد عذب على يد رسول الله ﷺ من بقي منهم ولم يؤمن، وزلزلوا في غزوات وخاصة في غزوة بدر، وفي فتح مكة، فقتل من قتل، وأسر من أسر، وأخذت أموال من أخذت منه، واستعبد من استعبد، ولعذاب الله أشد وأنكى لمن أصر على كفره ولم يؤمن قبل أن يموت، ولم يقل يوماً: ربي الله.
وهكذا رأينا الأمم بعد فقد أصاب الله الناس بالحروب الماضية من لدن الصليبيين، إلى التتر، إلى الاستعمار الأوربي، إلى الاستعمار الأمريكي إلى الاستعمار الصيني والروسي، إلى الاستعمار اليهودي، وإذا بقي المسلمون على عصيانهم والكافرون على شركهم فعند الله من أنواع العذاب والنكال ما تتزحزح له النفوس، وتزلزل له الأرواح، ولعذاب الله بعد ذلك أشد وأنكى.
((فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ)) فكانوا من المهلكين بالغرق، مهلكين في النيل بالخنق وبالإذلال وبالضياع وبالبوار بما ضاعت فيه ألوهيتهم الزائفة، وزعامتهم الكاذبة، وملكهم الفاني، وهكذا الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.