تفسير قوله تعالى: (ولا نكلف نفساً إلا وسعها)
قال تعالى: ﴿وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٢].
يقول الله: مع كل هذا فنحن لا نكلف أحداً بما ليس في طاقته ولا في وسعه، وقد أمر الناس بعبادته والإيمان به وحده، والإيمان عمل عقدي يضمره الإنسان ويجمع جوانحه عليه، فيؤمن بأن الله واحد، وكل ما عبد الناس سواه من جن أو إنس أو ملك أو جماد كل ذلك باطل، بل على العبد أن يمتثل لربه فيما أمر به وما نهى عنه، ولنبيه فيما أمر به وما نهى عنه، وما يؤمرون به كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فلم يكلف الله عبداً إلا بما هو في وسعه وطاقته، ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]، ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، فقد أمرنا بالصلاة قياماً، فإن لم يكن ذلك في وسعنا فنصلي جلوساً، وأمرنا بالصيام فإن لم يكن ذلك في وسعنا أفطرنا، وأمرنا بالحج فإن لم يكن ذلك في وسعنا لا زاداً ولا راحلة ولا قدرة لم نحج، وأمرنا بالزكاة فإن لم يكن عندنا مال نزكي ولم يكن ذلك في وسعنا أسقط الله عنا ذلك.
إذاً: فالله لا يكلف مؤمناً شططاً، ولم يأمره بما يعجز عنه.
لم يمتحنا بما تعيا العقول به حرصاً علينا فلم نرتب ولم نهم فلم يأمرنا إلا بما في قدرتنا عقيدة، وفي قدرتنا جناناً، وفي قدرتنا أعمالاً، وفي قدرتنا بما نملكه ونستطيعه، وما دون ذلك لم يأمرنا الله بشيء، بل من اعتاد عبادة وهو صحيح البدن كثير المال بحج أو عمرة أو صدقة أو زكاة بقوة من طواف وسعي وحج وأنواعها ثم مرض، فإن الله تعالى يتابع أجره وثوابه كما لو بقي على ذلك إلى لقاء الله إلى الموت؛ لأن الله هو الذي أعجزه وأشاخه، ولأن الله هو الذي أفقره فهو لم يستطع؛ لأن ما كان عنده قد أخذه الله، فهو بذلك معذور، بل وكما قال نبينا عليه الصلاة والسلام فإنه يجازى على ذلك ويكثر أجره وثوابه كما لو كان لا يزال صحيح البدن، مليء الجلد، كثير الحركة والنشاط، فيؤجر على ذلك ثواباً وأجراً مستمرين.