تفسير قوله تعالى: (ولا نكلف نفساً إلا وسعها)
قال الله جل جلاله: ﴿وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٢].
بعد أن قص الله علينا صفات المؤمنين من الإيمان بالله والإيمان بآيات الله وعدم الإشراك بالله جل جلاله، والعبادة مع الخوف ألا تقبل وأن تضرب بها الوجوه لنقصانها، ولما يخاف أن يكون فيها من رياء وتسميع، مع كل ذلك يقول الله جل جلاله: ((وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)) فلم يكلف الله أحداً من العباد بأن يأتي بأكثر مما تطيقه نفسه، قلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وما جعل عليكم في الدين من حرج.
فالله جل جلاله أمرنا بما نقدر عليه وبما نطيقه، فإذا مرض أحدنا أو منعه مانع فإنه ينتقل من الوضوء بالماء إلى التيمم، ومن الصلاة قياماً إلى الجلوس، ومن الحج إلى عدم الحج، ومن الصيام إلى الإفطار، ومن الضيق إلى السعة مع الأجر والثواب في كل ما كان يصنعه هذا الذي مرض وحال مرضه دون ذلك، أو افتقر وحال فقره دون ذلك من زكاة وحج وما إلى ذلك.
يقول الله جل جلاله: ((وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)) ما تسعه طاقتها، وما تسعه قدرتها، وما سوى ذلك لم يكلف ولم يطالب به أحد.
قال الله تعالى: ((وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ)) لدى الله جل جلاله كتاب ينطق بالحق وينطق بأعمال العباد إن خيراً وإن شراً، والكتاب هو الذي يكتبه الملكان المكلفان عن يمين وشمال عن كل إنسان مكلف من الخلق في الأرض، فمن على اليمين يكتب الحسنات، ومن على اليسار يكتب السيئات، وذلك يحفظ إلى يوم الحشر والعرض على الله.
((وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ))، فهؤلاء عندما يأتون للحساب وللعقاب يأتون إما إلى جنة وإما إلى نار، فتنطق عليهم أعمالهم وكتبهم بالحق الذي صدر منهم وبالحق الذي علموه، فلا يظلم أحد في ذلك نقيراً، ولا تنقص الحسنات ولا تزيد السيئات، بل قد تكفر السيئات أو بعضها وتزداد الحسنات ويعظمها الله تعالى من حسنة إلى عشر إلى سبعمائة إلى ما يشاء الله جل جلاله.
والله جل جلاله لا يظلم نفساً شيئاً لا يضيع على إنسان عمله خيراً كان أو شراً، قد يغفر الشر ويزيد في الخير.


الصفحة التالية
Icon