تفسير قوله تعالى: (هنالك الولاية لله الحق)
قال تعالى: ﴿هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ [الكهف: ٤٤].
هنالك أي: يوم القيامة الوَلاية، فإن قلنا: الولاية فهى الحكم والسلطان والأمر والنهي، وإن قلنا: الوِلاية فهى: النصرة والتعزيز والمؤازرة، وكل ذلك انفرد به الله جل جلاله، إذ يقول إذ ذاك: أنا الملك أين الملوك؟ فيقولها ويكررها جل جلاله، ولا جواب، فالكل ذل وخنع وأصبح يقول: نفسي نفسي، بما فيهم الأنبياء إلا نبينا محمداً صلى الله عيه وسلم، وعند ذاك يجيب نفسه بنفسه: أنا الملك أين الملوك؟ أنا ملك الملوك.
قال تعالى: ﴿هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ﴾ [الكهف: ٤٤].
وهناك الحكم الحق والمناصرة والتأييد والقوة لله وحده، وليس لأحد موالاة ولا نصرة ولا سلطان يعتز به ولا حاكم يعود إليه، فالحاكم الله، له الأمر والنهي، وبيده العز والذل، يعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير جل جلاله وعلا مقامه.
وهذا هو المغزى والنتيجة من ضرب المثل.
ولقد قال السلف الصالح: إذا سمعت ربك يقول: ياأيها الناس! يا أيها الذين آمنوا! فأعرها أذنك فهو خطاب لك، وامتثل ما قيل لك أمراً واترك ما قيل لك نهياً، وإلا حل بك ما حل بالكفار والمشركين من اللعنة في الدنيا والآخرة.
وقوله تعالى: ﴿هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ﴾ [الكهف: ٤٤]، قرئ: (لله الحقِ) على أنه نعت لاسم الجلالة الله، والله هو الحق، وهو الواحد الأحد، الرازق الصمد، الذي بيده كل شيء.
وقرئ: (هنالك الولاية لله الحقُ)، على أن الحق نعت للولاية، أي: هنالك الولاية الحق، وهنالك الملك والسلطان لله وحده، وهنالك المناصرة والتعزيز والتأييد، فالحق لله وليس لأحد سواه، والكل تؤكده الآية وتدل عليه، وكلتاهما قراءتان سبعيتان متواترتان.
قال تعالى: ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ [الكهف: ٤٤].
فالله جل جلاله خير ثواباً ممن ترجو ثوابه من المشركين ومن الكافرين، فثواب الله خير، وهو خير في الواقع وفي الزمن القائم في الدنيا.
﴿وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ [الكهف: ٤٤]، أي: خير عاقبة في الآخرة.
وقرئت: (عقْبى) و (عقُبى)، فثواب الله خير في الدنيا وخير عاقبة يوم القيامة.
وقوله: (خير) أي: حسب توهم المشرك؛ لأن خير فعل تفضيل، وهي تقتضي المشاركة والزيادة، وإلا فلا أحد يشارك الله فضلاً عن أن يزيد عليه، ولكن ذلك حسب توهم هؤلاء المشركين من أن أربابهم المزيفة وأوثانهم الباطلة تثيبهم وتأجرهم وتعطيهم الخير، فقيل لهم: هذا الذي تنتظرونه من هذه الأوثان ثواب الله وإفضاله وخيره وإكرامه خير لكم في الآجل والعاجل، وفي الحال والاستقبال، ولولا أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من لم يشكر الناس لا يشكر الله)، لما شكرنا أحداً على كل جزئية أو كلية إلا الله؛ لأنه ما من إحسان بلسان أو قلم أو يد إلا والله هو الذي حرك القلب والفؤاد والنفس لأن تعمل هذا الخير، فأنا أشكر الله الذي حرك ودفع لذلك، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن نشكر الواسطة، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله وهكذا.
ومع ذلك تأتي حالة لبعض الناس لا يشاهدون إلا الله في كل إحسان.
وعائشة أم المؤمنين رضوان الله عليها عندما بهتت بما بهتت به، وقذفت بما قذفت به من المنافقين ومن ضعفة من المؤمنين، ثم نزلت براءتها من فوق سبع سماوات، وكانت في بيت أبيها، فجاء النبي عليه الصلاة والسلام يبلغها ذلك ويبشرها، وهى حزينة متألمة باكية، وكان أبوها أبو بكر رضوان الله عليه حاضراً، فعندما جاء يقول ذلك عليه الصلاة والسلام سكتت، فقال أبو بكر لابنته: اشكري رسول الله يا عائشة! قالت: والله لا أشكره، ولا أشكر إلا الله الذي برأني.
وهذه حالة تأخذ المؤمن.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: عرفت الحق لأهله.
وكان هذا من إدلالها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها كانت غضبى على رسول الله ﷺ لماذا يتشكك فيها؟ ولماذا يسأل الصغار والكبار ما تعرفون عن عائشة؟ فهذا الذي آلمها وأحزنها وأبكاها، فعندما جاءت البراءة من الله أبت أن تشكر إلا الله جل جلاله، وهذه حالة تأخذ الإنسان، فـ عائشة أم المؤمنين جديرة بأن تكون في هذا أسوة.
قال تعالى: ﴿هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ [الكهف: ٤٤]، أي: هو خير عاقبة وخير ثواباً حاضراً ومآلاً، آجلاً وعاجلاً.