تفسير قوله تعالى: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون)
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٦].
فهؤلاء عذبهم الله وانتقم منهم بالأسر والقتل والتشريد والطرد، وهذا في كل كافر وليس الأمر مقصوراً على العرب فضلاً عن قريش، فعل هذا باليهود في المدينة، فقتل في يوم واحد تسعة وخمسين واحداً، وأخرجهم من دورهم وأخذ دورهم، وطرد الكثير منهم، وأوصى بطرد الباقين، فما زادهم ذلك إلا كفراناً وجحوداً، ومن ذلك الوقت وإلى اليوم منذ ١٤٠٠ عام ما زادهم ذلك إلا جحوداً وإلا حقداً على سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، وحين دخل هؤلاء القردة والخنازير إلى بيت المقدس أخذ منهم من كان يعيش في بلاد العرب يشتم محمداً ﷺ باسمه، ويشتم المسلمين، وهذا استدراج من الله لهم، وسيخرجهم بعد ذلك في ذل وهوان مسحوقين بالأقدام، وصدق الله جل جلاله: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧]، فلا مندوحة ولا مفر من غضب الله عليهم الدائم، ولكن العلامة والإشارة بيننا وبين ربنا أن يدخلوا مرة ثانية إلى المقدس، وقد فعلوا وانتهوا، وسيأتي الله بمن يدمرهم ويذلهم وهم في ذل مع كل ذلك، ومن يسحقهم ويقضي عليهم، ومن يخرجهم لا من القدس فقط بل من جميع ديار المسلمين، ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) إلى يوم الحشر والنشر.
قال تعالى: ((وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا)) أي: ما خشعوا لربهم، وما ذلوا لربهم، وما اعترفوا بعقوبته، ((وَمَا يَتَضَرَّعُونَ)) لم يتضرعوا لله، ولم يطلبوا الله، ولم يذلوا لله، ولم يقولوا: اللهم اغفر لنا فقد أسأنا واعترفنا بذنوبنا، بل ما زادهم العذاب إلا كفراً وإصراراً على الكفر، وعداء وحقداً على محمد، والكتاب المنزل على محمد، وأصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله.