تفسير قوله تعالى: (إنه كان فريق من عبادي يقولون)
ثم أخذ الله تعالى يقرعهم ويوبخهم؛ لتزداد حسرتهم، وليزداد تذكرهم لذنوبهم وجرائمهم، وليوقنوا أن لله الحجة البالغة، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٩ - ١١٠].
قال تعالى: يا هؤلاء! أنتم ترجون العودة إلى الدنيا وقد كنتم فيها وما صنعتم شيئاً، وقد كنتم ترون فريقاً من عبادي المؤمنين في الدنيا وهم معترفون بأن الله ربهم، وبأن الله خالقهم، وبأنه الواحد الذي لا ثاني له لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا﴾ [المؤمنون: ١٠٩] آمنا بك إلهاً واحداً، وآمنا بمحمد عبداً ونبياً ورسولاً لك، أرسلته لهداية البشر، وأرسلته لإخراجهم من الظلمات إلى النور.
فهم يقولون: عافنا واغفر لنا ذنوبنا ما كان قبل الإسلام وما تخلل الإسلام من مخالفات ومن سوء، استغفرناك وطلبنا رحمتك وطلبنا مغفرتك، أي: أنهم كانوا أذلة لله خاضعين لجلاله وسلطانه، ويعلمون أنه إذا لم يغفر لهم هو فلن يغفر لهم أحد، وإذا لم يوفقهم هو فلن يوفقهم أحد، فهو الرازق وهو المحيي وهو المميت.
﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي﴾ [المؤمنون: ١٠٩] أي: طائفة من عبادي وجماعة مؤمنة، ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا﴾ [المؤمنون: ١٠٩] أي: ارحمنا بمغفرة الذنوب، وارحمنا بالإنقاذ من النار، وارحمنا بدخول الجنان، ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: ١٠٩] أي: أنت خير من يرحم، وأنت خير من يكرم، وأنت خير من ينقذ، وأنت خير من يجيب الداعي إذا دعاه.