تفسير قوله تعالى: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً)
قال تعالى: ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: ١٢].
يقرع ويوبخ أولئك الذين كرروا ما سمعوه عن جهل، وأعادوا ما قاله المنافقون عن سذاجة وبلادة وعدم فهم، فقال: (لولا) وهي كلمة تحريض وتحضيض على الفعل.
قوله: ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ [النور: ١٢].
أي: هلا إذ سمعتم هذا البلاء يقوله المنافقون، ويقوله السذج ممن يكرر ويعيد كل ما يسمع.
وهذا تأديب لعموم المؤمنين ألا يقولوا كل ما يسمعون، فلا يقولون إلا ما تأكدوا من صحته.
وأيضاً فإن أعراض المؤمنين محرمة، وأعراضهم مصونة محفوظة، فمن حاول أن يتكلم عنها ولو بالإشاعة يعتبر قاذفاً ويحد، فهي حصانة كما تكون للقوم من كبار الناس في الدول هي كذلك لعرض كل مسلم ومسلمة، فمن تجاوزه وهتك هذه الحصانة فإنه يجلد ويهان ويذل، ويفضح على رءوس الخلائق.
﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ١٢] فهذه أمنا، وهذا نبينا، وهذا هادينا، وهذا صاحب نبينا، وهذه صاحبة نبينا وزوجه وابنة الصاحب الأول، أفيكون هذا؟ هل رأيتم بأعينكم؟ هل سمعتم الفاحشة بآذانكم؟ كلا، ولم إذاً تكررون كل ما تسمعون ولو سمعتموه من الكفرة الفجرة الكذبة؟! ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ١٢] ولم أنفسهم؟ لأن المؤمن لا يكون مؤمناً إلا إذا كانت نفس رسول الله أحب إليه من نفسه، وأعز عليه من نفسه، وأعظم عليه من نفسه، ولذلك إذا أوذيت نفس رسول الله أوذينا، وإذا هتك عرض رسول الله ﷺ هتك عرضنا، وإذا ضاع شرف رسول الله -ومعاذ الله من ذلك- ضاع شرفنا، فكيف تأتي يا مغفل وأنت مسلم صالح؟! ويا مغفلة فلانة وأنت مسلمة صالحة؟! كيف تقولين مثل هذا عن رسول الله وعن عرضه؟ ﴿وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: ١٢] الإفك: هو شر أنواع الكذب، ففيه البهت والمواجهة بالباطل وبالكذب، وفيه قلب الحقائق، يقال: فلان أفك على فلان، أي: قلب وجه الحق، وما وجه الحق هنا؟ أم المؤمنين لفضلها ولعلمها ولكونها زوجة رسول الله وحبيبته، ولكونها أم المؤمنين الثانية بعد خديجة، يجب أن يثنى عليها، وأن يشاد بها، وأن يترضى عليها، وأن يستفاد من علمها ومعرفتها وروايتها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا أن تقلب الحقائق فجأة وينتقل المدح إلى ذم، والإشادة إلى إشاعة، فهذا ما لا يقبله عقل، ولا يقبله منطق فضلاً عن دين وشريعة، وهذا بهتان مبين واضح ظاهر.
وإذا كان كذلك فقد أوجب الله الحد على من اتهم وقذف وهو لم يسمع ولم ير، ولم يأت بشهود أربعة، فكيف بأن يكون ذلك في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها!!


الصفحة التالية
Icon