تفسير قوله تعالى: (يعظكم الله أن تعودوا لمثله)
قال تعالى: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ١٧].
وبخ الله وقرع، وهذب وعلم، وأصدر أحكاماً بالحدود على من قال ذلك من المؤمنين والمنافقين، فحد أربعة، وهم الذين قالوا ذلك وثبت عنهم، ورددوه وسمروا فيه.
وكان كبيرهم في ذلك من قال الله عنه: ﴿والذي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١١].
والذي تولى الكبر هو كبير المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول، فجلد ثمانين جلدة، وجلدت زوجة طلحة بن عبيد الله حمنة بنت جحش أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش ثمانين جلدة، وجلد الشاعر حسان بن ثابت ثمانين جلدة، وجلد مسطح بن أثاثة المؤمن الصالح كذلك، وهو الذي حضر غزوة بدر، وهو المجاهد والمستشهد في سبيل الله، لكنهم قالوا ذلك غفلة وسذاجة، وقالوا ذلك ضعفاً.
ولذلك وعظ الله هؤلاء وأوجب عليهم الحد، وقد حدوا، وحد ابن أبي، لكن ابن أبي لا رحمة له ولا مغفرة، ولا تقبل توبة من كافر حتى يؤمن بالله ويوحد الله، ويؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأن الإسلام حق، وأنه لا نبي بعد محمد، ولا دين بعد الإسلام، ولا رسالة، ولا نبوءة بعد النبي صلوات الله وسلامه عليه.
قوله: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ﴾ [النور: ١٧] أي: يحرم عليكم ﴿أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا﴾ [النور: ١٧] أي: أن تعودوا للقذف، والخوض في أعراض أمهات المؤمنين بالدرجة الأولى، وأعراض المؤمنات الغافلات المحصنات الصالحات، ولذلك، من عاد في طعن أمهات المؤمنين -وفي الدرجة الأولى عائشة - فإنه يقتل ولا يجلد فقط، وذلك لأمور: أولاً: لأنه اتهم من برأها الله تعالى من فوق سبع سموات.
ثانياً: لأنه آذى رسول الله في عرضه.
ثالثاً: لأنه افترى على الله الكذب.
ولو رأينا منافقاً، أو مغفلاً من المسلمين أو يزعم أنه من المسلمين، ومن باب أولى إن كان منافقاً أو كافراً، فبمجرد ما يثبت عنه أنه نطق بذلك، فإنه يقتل ولا تقبل له توبة.
فالمعنى: يحذركم الله أن تعودوا لمثله في أعراض المسلمات دون تثبت وأربعة شهود.
﴿إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ١٧] أي: هذا إن كنتم مؤمنين حقاً، أما إذا لم يكونوا مؤمنين فلا يقبلون موعظة، ولا يقبلون أمراً ولا يقبلون نهياً، وما هم فيه من شرك وكفر هو أعظم بكثير مما يتلقاه ألسنتهم وتنطق به أفواههم.