وإباحته للجنسين، وعدم التدخل الحكومي في تعيين رجال الدين. ولم يعرض الإسلام كقطعة من التاريخ، للعرض وليست للمس، وإنما عرضه حيا يوائم الحياة القائمة ويواكبها في واقع الأحياء.
ولم يكن طريقه مفروشاً بالورود، وإنما كان محفوفا بالمخاطر والأهوال، ولكنه توكل على الله، واعتمد عليه، وعمل بوصية شيخه أحمد الهندي حينما قال:
«أذكر أنني- ابن باديس- لما زرت المدينة المنورة، واتصلت فيها بشيخي الأستاذ حمدان الونيسي، وشيخي أحمد الهندي، أشار علي الأول بالهجرة إلى المدينة، وقطع كل علاقة لي بالوطن، وأشار علي الثاني وكان عالما حكيما بالعودة إلى الوطن، وخدمة الإسلام والعربية فيه بقدر الجهد. فحقق الله رأي الشيخ الثاني، ورجعنا إلى الوطن بقصد خدمته. فنحن لا نهاجر، نحن حراس الإسلام والعربية والقومية... في هذا الوطن»..
وتصدى له الاستعمار، وحماه والده كثيرا وطويلا في أول الأمر، ولكن والي قسنطينة ضغط على والده، ليجبر ولده على السكوت وقبول وظيف كبير ديني، ويترك ما هو فيه... وهدده والده بالمقاطعة، وقبلها عبد الحميد وفضل المقاطعة على الوظيف والسكوت، وقال لوالده: «لا اتصال لنا بعد اليوم إلاّ ما يوجبه الإسلام». وهكذا عاش مخلصاً في القول والعمل، وجريئاً وحراً في الرأي، صافي النفس والقلب.
وأصدر "شوطان" وزير داخلية الجزائر قراراً في مارس سنة ١٩٣٨م بمنع تعليم العربية في الجزائر، واعتبارها لغة أجنبية، فشرد القراد ٩/ ١٠ من أبناء الشعب، لولا أن استمرت مدارس جمعية العلماء مفتوحة رغم العنت والإرهاق والتضييق، فكانت نافذة للرحمة والعلم... ويعتبر عبد الحميد بن باديس زيادة الضغط على الجمعية أمارة نجاحه، ونجاح زملائه، إذ يقول: «إنا بالأمس حين لم نلتفت هذه اللفتة إلى ماضينا وقوتنا السماوية ما كنا نرهب أحدا، ولا نستطيع أن نشعر بوجودنا أحدا. أما اليوم فبهذه اللفتة القصيرة إلى تراثنا المجيد استطعنا أن نعلن عن وجودنا، ونخيف بعد أن كنا نخاف». وأبى أن يسلم مدرسة التربية إلى فرنسا إلاّ إذا مات في هذا السبيل.
ويعلن الكردينال "لا فيجري" سنة ١٩٣٠: «أن عهد الهلال في الجزائر قد غبر، وأن عهد الصليب قد بدأ، وأنه سيستمر إلى الأبد».
فيعلن ابن باديس تأسيس جمعية العلماء المسلمين سنة ١٩٣١م، لا على أساس تعصبي ولكن على أساس تعايش سلمي.
ويهدد الوزير الفرنسي، وفد المؤتمر الإسلامي سنة ١٩٣٦م بأن «لدى فرنسا مدافع طويلة» ويرد عليه ابن باديس بأن لدينا مدافع أطول و «إنها مدافع الله».
وكان يتمنى أن يرى التعليم العالي في الجزائر، ويفتح كلية لذلك، فكان يقول لزملائه: «أنا أستكفيكم في كل أمر يتعلق بالكلية إلاّ الاستعمار فأنا أكفيكموه، فخلوا بيني وبينه».