الفرقان
﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (٢)﴾ [الفرقان: ١و٢].
﴿تبارك﴾ مادة (ب ر ك) كلها ترجع إلى معنى الثبوت، منها: بروك الإبل، استناختها، والبركة كالقربة مثل الحوض يثبت فيها الماء. والبراكاء الثبات في الحرب، ومنها البركة بمعنى النماء والزيادة، ولا ينمو ويزيد إلا ما كان ثابت الأصل، وشأن ثابت الأصل أن ينمو ويزيد، فلم تخرج عن معنى الثبوت؛ وتبارك من البركة فمعناه تزايد خيره.
والله تعالى له الكمال، ومنة الإنعام، فتبارك: أي تزايد كماله وانعامه، فلا تحصى إنعاماته، ولا تحد كمالاته.
وثبوت الكمال ينافي وينفي ضده؛ فيقتضي التنزه عن النقص.
فانتظم اللفظ ثلاثة معاني:
التنزه عن النقص، والاتصاف بالكمال، والإفاضة للإنعام. (فتبارك: تقدس وتعاظم) الفعل الأول مفيد للأول والفعل الثاني مفيد للثاني والثالث.
﴿نزل﴾ مادة (ن ز ل) كلها ترجع إلى معنى الهبوط من عل، والحلول في أسفل.
ونزّل المضاعف أبلغ في المعنى من أنزل، وقد يفيد كثرة النزول كما هنا؛ لأنه نزله مفرقاً على نيف وعشرين سنة. وقد يفيد القوة في نزول واحد كما في قوله تعالى: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ [الفرفان: ٣٢]. ؛ لأن تنزيل الجملة أقوى من إنزال التفصيل.
﴿الفرقان﴾ أصله مصدر فرق بمعنى فصل. وهو أبلغ في الدلالة على المعنى من فرق المصدر المجرد، بما فيه من زيادة الألف والنون، كما كان القرآن أبلغ من القراءة لذلك.
وهو هنا إسم من أسماء هذا الكتاب الكريم.
﴿نذيرًا﴾ مادة (ن ذ ر) كلها ترجع إلى الإعلام والتحتيم، فمنها: نذر على نفسه الصوم أوجبه وحتمه وأعلم به ونذر بالعدو كفرح علم به وأنذره، أعلمه؛ ولا يستعمل إلا في إبلاع ما فيه تخويف، فهو إعلام بتأكيد وتحتيم. ونذير هنا بمعنى منذر من فعيل بمعنى مفعل.
﴿الذي نزل﴾ عرف المسند إليه بالموصولية لزيادة تقرير الغرض الذي إليه سيق الكلام لأن