فرأينا أن نطبق فصل الفرقان عليهما، وننظر: كيف يفرق ما بينهما ومن هي المصيبة أو المخطئة. وفي ضمن ذلك تحاكمهما إليه وفصل النزاع بينهما بحكمه.
وإنما اخترناهما للتطبيق والتمثيل، لخطر الخطة التي تنازعا عليها، وعظيم النفع والضرر الذي يحصل من خطأ المخطىء، وصواب المصيب بها؛ ولأن الهداية والنذارة والتذكير أمور لها أنزل القرآن، فتنازعهما عليها تنازع عليه.
فأحق فصل أن نمثل به لنعلم فصله هو بين المتنازعين فيه.
وها نحن نعرض بعض حال كل طائفة في قيامها بالخطة، ثم نسوق آيات القرآن، وننظر من أسعد الطائفتين بها:
الطائفة الأولى:
يذكرون من يدعونهم بغير القرآن بأحزاب وأوراد من وضعهم، لا مما ثبت عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلاّ قليلاً.
ولهم عليهم في أموالهم حق في أوقات من السنة معلومة.
والطائفة الثانية:
يذكرون الناس بالقرآن فيأمرونهم بقراءته وتدبره، ويبينون لهم معانيه، ويحثونهم على التمسك به والرجوع إليه.
ويدعونهم إلى الأذكار النبوية الثابتة في الكتب الصحاح، لرجوعها إلى القرآن لحكم قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: ٧].
ولا يطلبون عليهم في ذلك أجراً.
والله تعالى يقول في الحال الأول: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ﴾ [ق: ٤٥]. وغيرها من الآيات المتقدمة في هذا المجلس.
ويقول- تعالى- في الحال الثاني لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:
﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٥٧].
﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣].
ويقول في آية صريحة صراحة تامة في بيان من يجب أن يتبع من الدعاة: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [يس: ٢١].
ومن هم المهتدون؛ هم المتبعون للنبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لقوله تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٨]. واتباعه بالنسبة لموضوعنا هو اتباعه في طريق دعوته الخلق إلى الله.


الصفحة التالية
Icon