خصائص التفسير الباديسي (*)
الحاجة إلى القرآن:
القرآن كتاب الإنسانية العليا، استشرفت إليه قبل أربعة عشر قرناً حين ضامها أبناؤها فعقلوها، فارتكسوا (١) في الحيوانية السفلى، فأخلدوا إلى الأرض، فأكثروا فيها الفساد، فأنزله الله من السماء ليصلح به الأرض وليدل أهلها المستخلفين عليها من بني آدم، على الطريق الواصلة بالله، ويجدد ما رث (٢) من علائقهم به.
وما أشد شبه الإنسانية اليوم بالإنسانية قبل نزول القرآن، في جفاف العواطف، وضراوة الغرائز، وتحكم الأهواء، والتباس السبل، وتحكيم القوة، وتغول الوثنية المادية.
وما أحوج الإنسانية اليوم إلى القرآن، وهي في هذا الظلام الحالك من الضلال، وقد عجز العقل عن هدايتها وحده، كما عجز قديماً عن هدايتها، لولا تأييد الله له بالأمداد السماوية من الوحي الذي يقوي ضعفه إذا أدركه الوهن، ويصلح خطأه إذا اختل ميزانه.
وكما أتى القرآن لأول نزوله بالعجائب المعجزات في إصلاح البشر فإنه حقيق بأن يأتي بتلك المعجزات في كل زمان، إذا وجد ذلك الطراز العالي من العقول التي تفهمته، وذلك النمط السامي من الهمم التي نشرته وعممته، فإن القرآن لا يأتي بمعجزاته ولا يؤتي آثاره في إصلاح النفوس إلاّ إذا تولته بالفهم عقول كعقول السلف، وتولته بالتطبيق العملي نفوس سامية وهمم بعيدة كنفوسهم وهممهم.
أما انتشاره بين المسلمين بهذه الصورة الجافة من الحفظ المجرد، وبهذا النمط السخيف من الفهم السطحي، وبهذا الأسلوب التقليدي من التفسير اللفظي- فإنه لا يفيدهم شيئاً، ولا يفيد بهم شيئاً، بل يزيدهم بعدا عن هدايته، ويزيد أعداءهم استخفافاً بهم، وإمعاناً في التكالب عليهم، والتحكم في رقابهم وأوطانهم.

(*) كلمة كتبها العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي قدم بها لآيات من سورة الفرقان، وهي التي جمعها المرحوم السيد "أحمد بوشمال" وطبعها عام ١٣٦٧هـ.
(١) هبطوا.
(٢) ما بلي.


الصفحة التالية
Icon