وقوله: "قل" أمر بما يرد قولهم الأول، وقولهم الثاني، غير أنه قصد إلى الإيجاز وعدم التكرار.
فجعل مع قولهم الأول الوصف وهو الظلم، واكتفى بذكره هنا عن إعادته.
وجعل مع قولهم الثاني الدليل: وهو إنزال من يعلم السر واكتفى بذكره هنا عن ذكره مع الأول فحذف من كل ما أثبت مع الآخر. وجعل الوصف مع الأول والدليل مع الثاني ترقياً من الدعوى للدليل.
وجه الدليل:
القرآن أعجز العرب ببلاغته، حتى عرفوا- وعرف العلماء بلسانهم المرتاضين ببيانهم- أنه ليس مثله من طوق البشر. هذه هي الناحية الظاهرة في إعجاز القرآن والاستدلال به له ولمن أتي به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
وهنالك ناحية أخرى هي أعظم وأعم: وهي ناحيته العلمية التي يذعن لها كل ذي فهم من جميع الأمم، في كل قطر وفي كل زمن.
وهذه الناحية هي التي احتج بها في هذا الموطن:
فقد استدل على أن القرآن لا يمكن أن يكون أتى به محمد من عنده، ولا يمكن أن يستعين عليه بغيره، ولا أن يكون من أوضاع الأوائل، بأنه ينطوي على أشياء من أسرار هذا الكون لا يعلمها إلّا خالقه، فمن ذلك:
ما أنبأ به من أسرار الأمم الخالية، وبيّن من أسرار الكتب الماضية.
وما أنبأ من أحداث مستقبلة، وما ذكر من حقائق كونية، كانت لذلك العهد عند جميع البشر مجهولة؛ كالزوجية في كل شيء، وسبح الكواكب في الفضاء، وسير الشمس إلى مستقر مجهول معين عند الله لها.
وغير ذلك من أسرار العمران والاجتماع، وما تصلح عليه حياة الإنسان، مما تتوالى على تصديقه تجارب العلماء إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم.
فكتاب اشتمل على كل هذه الأسرار لا يمكن أن يأتي به مخلوق.
ترغيب:
قد دعانا الله إلى العلم ورغبنا فيه في غير ما آية، وأعلمنا أنه خلق لنا ما في السموات وما في الأرض جميعاً.
وأمرنا بالنظر فيما خلقه لنا وأعلمنا هنا أن هذه المخلوقات أسرار بينها القرآن واشتمل عليها.
وكان ذلك من حجته العلمية على الخلق فكان في هذا ترغيب لنا في التقصي في العلم