بشارة:
قد وعد الله تعالى نبيه- بعد ما أمره بالتأسي والصبر- بالهداية والنصر.
وفي هذا بشارة للدعاة من أمته من بعده، السائرين في الدعوة بالقرآن وإلى القرآن على نهجه، أن يهديهم وينصرهم.
كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩]. معهم بالفضل والنصر والتأييد، وهذا عام للمجاهدين المحسنين، والحمد لله رب العالمين.
...
تثبيت القلوب بالقرآن العظيم
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (٣٢)﴾ [الفرقان: ٣٢].
هذا اعتراض آخر من اعتراضاتهم الباطلة، نسقه مع ما تقدم منها ليجاب عنه، ويبين خطؤهم فيه، كما فعل بما تقدمه.
﴿لولا﴾ مع المضارع للتحضيض، نحو: ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ﴾ [النمل: ٤٦]. ومع الماضي للوم والتوبيخ، نحو ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [النور: ١٣]. وهي هنا مع الماضي فتكون للوم على عدم حصول المذكور وحصول ضده، والمقصود من اللوم هنا الاعتراض على عدم نزوله جملة واحدة، ونزوله مفرقاً. فالمعترض عليه هو نزوله مفرقاً.
﴿نزل﴾ يأتي مرادفاً لأنزل والتضعيف أخو الهمزة، ويأتي مفيداً للتكثير فيفيد تكرر النزول وتجديده.
وخرج على هذا قوله تعالى: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ -من الكتاب- وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [آل عمران: ٣].
وأما هنا فلا يصح حمله على التكثير المفيد للتدريج، لئلا يناقض قولهم جملة واحدة، فيكون من التضعيف المرادف للهمزة.
وعندي أن (نزَّل) المضاعف يرد لكثرة الفعل ولقوته؛ فجاء لكثرته في آية آل عمران المتقدمة، وجاء لقوته في هذه الآية؛ لأن إنزال الجملة مرة واحدة أقوى من إنزال كل جزء من الأجزاء بمفرده.
﴿كذلك﴾ الإشارة للإنزال المفرق المفهوم من قولهم ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً﴾؛ لأنه في معنى: لِمَ نزل عليه جملة، ولم ينزل عليه مفرقاً؟