وهم لما عجزوا عن معارضة أقصر سورة منه، أخذوا يباهتون بالباطل، ويعترضون بمثل هذا الاعتراض.
وأما الجواب، فكان ببيان حكمتين في إنزاله مفرقاً:
الحكمة الأولى: تثبيت قلبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
والحكمة الثانية: تفريقه مرتبا على الواقع.
وكان في تينك الحكمتين مزيتان عظيمتان للقرآن العظيم على غيره من كتب الله تعالى؟
فكان ما اعترضوا به على أنه نقص فيه عنها هو كمال له عليها.
شرح الحكمة الأولى:
كان كل نجم ينزل من القرآن العظيم- والنجم القسم الذي ينزل معًا آية أو آيتين أو أكثر- يزداد به عجزهم وعنادهم ظهوراً، وتزداد حجة النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وصدقه وضوحاً؛ فيزداد بذلك سكون قلبه وطمأنينته بظهور أمره على عدوه، وعلو كلمة الحق على كلمة الباطل.
وفي ذلك تقوية له، وأي تقوية! لا عن شك كان في قلبه أو تردد ولكن البراهين المتوالية، والحجج المتتالية، تزيد في سكون القلب واطمئنانه، وإن كان معقودا من أول أمره على اليقين. فهذا وجه من تثبيت فؤاده بالآيات المتفرقات في النزول.
وقد كان كل نجم من نجوم القرآن ينزل بشيء من العلم والعرفان، مما يرجع إلى العقائد أو الأخلاق أو الأحكام أو التذكير بالأمم الماضية وأخبار الرسل المقتدمين، أو باليوم الآخر أو بسنة الله في المكذبين، إلى غير ذلك من علوم القرآن؛ فيقوى قلبه عند نزول كل نجم بما يكتسبه منه من معرفة وعلم.
وكان يلقى من الجهد والعناء في تبليغ الرسالة ما تضعف عن تحمله القوى البشرية. فإذا نزل عليه القرآن، واتصل بالملك الروحاني النوراني، وقذف في قلبه ذلك الوحي القرآني، تقوى قلبه على تحمل أعباء الرسالة ومثاق التبليغ.
ولما كان البلاء والعناء في سبيل التبليغ متكرراً متجدداً، كان محتاجاً إلى تجديد تقوية قلبه، وكان ذلك مقتضياً لتفريق نزول الآي عليه، فهذه ثلاثة وجوه من التثبيت.
حظنا من العمل بهذه الحكمة:
قلوبنا معرضة لخطرات الوسواس، بل للأوهام والشكوك، فالذي يثبتها ويدفع عنها الاضطراب ويربطها باليقين هو القرآن العظيم.
ولقد ذهب قوم مع تشكيكات الفلاسفة وفروضهم ومماحكات المتكلمين ومناقضاتهم، فما ازدادوا إلاّ شكا، وما ازدادت قلوبهم إلاّ مرضًا، حتى رجع كثير منهم في أواخر أيامهم إلى عقائد


الصفحة التالية
Icon