الصفة الثالثة:
﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (٦٤)﴾ [الفرقان: ٦٤].
لما ذكر فيما تقدم سلوكهم مع الخلق ذكر في هذه الآية سلوكهم في القيام بعبادة الحق. وفيما تقدم بيان حالهم عند اختلاطهم بالعباد، وفي هذه بيان حالهم عند تفردهم لرب العباد.
﴿يبيتون﴾ من البيتوتة، وهي أن يدركك الليل نمت أو لم تنم. ويقابلها الظلول وهو أن يدركك النهار.
(السُّجَّدُ) جمع ساجد. (والقيام) جمع قائم، وهو من الأوزان التي يشترك فيها المصدر والجمع.
﴿الذين﴾ عطف على الخبر الأول، وأعيد لفظ ﴿الذين﴾ لاستقلال الحالة الثانية عن الأولى.
وقدم الجار ليفيد تخصيص عبادتهم بربهم ويفيد الكلام عبادتهم وإخلاصهم.
وقدم ﴿سجداً﴾ لأن السجود أقرب أحوال العبد للرب، لحديث: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (١).
ووقع ﴿قياماً﴾ في موقعه مناسباً للفاصلة.
المعنى:
ومن صفات عباد الرحمن أنهم يحيون الليل، فيبيتون يصلون لربهم، يراوحون بين السجود والقيام.
بيان وترغيب:
هذه الآية من آيات الحث على قيام الليل، مثل قوله تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [السجدة: ١٦].
وقد بينت السنة المطهرة مقداره. فثبت في الموطأ من طريق أبي سلمة عن عائشة رضي الله تعالى عنها: «أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على