ثانياً: وأما من السنة فمنها:
١ - دعاء القنوت المشهور: «نَرْجُو رَحْمَتَكَ ونَخْشَى عَذَابَكَ إنَّ عَذَابَكَ الجِدُّ».
ووجه الدليل منه: أن الصلاة أشرف أحوال العبد وأجل مقاماته، وأعظم عباداته، وقد علم أن يدعو فيها هذا الدعاء الصريح، في رجاء الرحمة وخوف العذاب، وما كان ذلك إلاّ لأن العبادة الشرعية موضوعة عليهما.
٢ - ومنها حديث:
«وَأَمَّا السُّجُودُ فَادْعُوا فِيهِ فَقَمِنٌ (١) أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» وهو حديث صحيح (٢).
وفي الصحيح أيضاً: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» (٣).
ووجه الدليل: أن أقرب أحوال العبد من ربه السجود، وهو محل للدعاء، والداعي يرجو القبول، ويخاف المنع، فالعبادة في أقرب أحوال العبد موضوعة على الرجاء والخوف.
٣ - ومنها الحديث الصحيح:
«إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ. اللهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلتَ.
فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ» (٤).
ووجه الدليل منه: أنه تعليم لما يقوله المسلم فيما قد يكون آخر حال يلقي عليه ربه، ولا ينبغي أن يلقاه إلاّ على أكمل حال؛ فعلمنا هذا الدعاء الصريح في الرغبة والرهبة ليقوله المؤمن، ولو كان من أكمل الكمل.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، حديث رقم ٢٠٧ عن ابن عباس بلفظ: قال: كشف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: «أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلاّ الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجدا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم».
وروى أحمد في المسند (١/ ١٥٥) نحوه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٣) أخرجه من حديث أبي هريرة مسلم في الصلاة حديث ٢١٥. والترمذي في الدعوات باب ١١٨. والنسائي في المواقيت باب ٣٥، والتطبيق باب ٧٨. وأحمد في المسند (٢/ ٤٢١).
(٤) من حديث البراء بن عازب. أخرجه البخاري في الوضوء باب ٧٥، والدعوات باب ٥. ومسلم في الذكر حديث ٥٦. وأبو داود في الأدب باب ٩٨.