الخلاصة:
١ - إن العبادة المشروعة هي القصد إلى الطاعة، مع الشعور بضعف العبد وذله، وحاجته وفقره، ومشاهدته لجلال ربه وقدرته وعزته، وجماله وفضله ورحمته؛ فيكون بتلك المشاهدة خائفاً من عقابه أو مؤاخذته راجياً لثوابه وانعامه.
٢ - وإن هذه العبادة هي عبادة الكُمَّلِ من عباد الله الذين وصفهم بأفضل صفاتهم في كتابه، وهي عبادة أنبيائه ورسله، الذين ذكر عبادتهم القرآن، وهي عبادة محمد- صلى الله عليه وآله رسلم- التي دلت عليها صحاح الأثار، وعبادة أصحابه الثابتة النقول.
٣ - وخلصنا من هذا إلى أن العبادة المجردة من الخوف والرجاء- منافية لصدق مشاهدة الجلال والجمال، مخالفة لعبادة الأنبياء والمرسلين، وعباد الله الصالحين. وأنه لم يرد فيها نص صريح من كتاب أو سنة، مثل واحد من الأدلة المتقدمة المتكاثرة.
وأنها ما دامت كذلك ليس لنا أن نعدها مشروعة، فضلاً عن أن نعدها كاملة، فضلاً عن أن ندعي أنها أكمل؛ لأن مشروعية الشيء لا تثبت إلاّ بدليل صحيح صريح.
وأتى لنا ذلك في العبادة المجردة عن الرجاء والخوف؟!
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. والحمد لله رب العالمين.
غرة رمضان ١٣٥١ هـ.
...
الصفة الخامسة:
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (٦٧)﴾ [الفرقان: ٦٧].
مضى وصفهم بأنهم يبيتون لربهم سجداً وقياماً، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وترب النفس على استصغار الدنيا وما فيها، وعلى تعظيم الرب والوقوف عند حدوده. فلا يعظمن شيء من الدنيا عند أهل الصلاة فيمسكوا عن بذله في الحق، ولا يستهويهم شيء منها فينتهكوا لأجله حدود الله وحرماته.
ولما كان المال هو أعز شيء في هذه الدنيا، وهو أعظم سبب لنيل مبتغياتها، وصفوا بأنهم في تصرفاتهم فيه على أكمل حال، وهي حالة العدل، التي أثمرتها لهم الصلاة، فلا يمسكونه عن حق، ولا يبذلونه في باطل.
﴿أنفقوا﴾ بذلوا المال في وجه من الوجه.
(الإسراف) مجاوزة الحد المشروع، (الإقتار) التقتير، التضييق.
(القوام) العدل بين الشيئين، أي المعتدل ما بينهما. وسمي العدل بين الشيئين قواماً، لاستقامة طرفيه واعتدالهما، فلا إلى هذا ولا إلى ذاك.