وأن يجتهد في حصول الأنس بها، والخشوع فيها؛ فإن ذلك زيادة على ما يثبت فيه من أصول الخير، يقلع منه أصول الشر ويميت منه بواعثه.
قامت الشريعة على المحافظة على حقوق الله، وحقوق عباده، وحق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً؛ فمن دعا مع الله غيره، وأشرك به سواه، فقد أبطل حق الله وأعدم عبادته. ومن قتل النفس فقد تعدى على أول حق جعله الله لعباده بفضله، وهو حق الوجود، وعمل على إبطال وجودهم وفناء نوعهم وزوال عبادتهم، فلهذا قرن قتل النفس بدعاء غير الله معه.
ولما كان الزنا فيه بطلان النسب وفساد الخلق والجسد، وذلك مؤد إلى الاضمحلال والزوال، والشرور والأهوال، قرن بقتل النفس فذلك قتل حقيقي، وهذا قتل معنوي.
(الدعاء) هو النداء لطلب أمر أو تنبيه عليه.
(الإله) هو المعبود.
(حرم الله النفس) جعل لها حرمة ومنعة، فلا يجوز التعدي عليها. ومادة (ح ر م) تفيد المنع في جميع تصاريفها.
(الحق) هو الثابت من مقتضيات القتل في الشرع.
وصف النفس بالإسم الموصول المعروف الصلة؛ لأن تحريم الله لها أمر مركوز في النفوس، معروف للبشر بما جاءهم من جميع الشرائع. وكان النفي للفعل بصيغة المضارع للإشارة إلى استمرار ذلك النفي.
المعنى:
والذين لا يدعون ولا يعبدون مع الله إلها آخر، فيشركون به سواه في عبادتهم إياه، ولكنهم يخلصون له العبادة، ويفردونه بالطاعة، ويوحدونه في ربوبيته وألوهيته.
ولا يقتلون النفس التي جعل الله لها حرمة، وحرم قتلها بالسبب إلاّ الحق الثابت في دين الله المعارض لحرمتها، المقتضي لقتلها بالزنا بعد الإحصان، أو الكفر بعد الإيمان، أو القتل للنفس العمد العدوان.
ولا يزنون فيأتون ما حرم الله عليهم إتيانه من الفروج.
...
مزيد بيان لتوحيد الرحمن:
ما يزال الذكر الحكيم يسمي العبادة دعاء ويعبر به عنها؛ ذلك لأنه عبادة، فعبر عن النوع ببعض أفراده، وإنما اختير هذا الفرد ليعبر به عن النوع؛ لأن الدعاء مخ العبادة وخلاصتها؛ فإن العابد يظهر ذله أمام عز المعبود، وفقره أمام غناه، وعجزه أمام قدرته، وتمام تعظيمه له وخضوعه بين يديه. ويعرب عن ذلك بلسانه بدعائه وندائه وطلبه منه حوائجه.
فالدعاء هو المظهر الدال على ذلك كله. ولهذا كان مخ عبادته.


الصفحة التالية
Icon