قلد هؤلاء أحبارهم ورهبانهم في التحليل والتحريم، وقبلوه منهم، وتركوا أمر الله تعالى فيما حرم وحلل، صاروا متخذين لهم أرباباً إذ نزلوهم في قبول ذلك منهم منزلة الأرباب اهـ.
وعلى وزانه تقول: لما كان الدعاء عبادة، والعبادة لا تكون إلاّ للإله، كان الداعي لشيء من المخلوقات متخذاً إياه إلهاً، لما نزله بدعائه إياه منزلة الإله، سواء دعاه وحده دون الله، أو دعاه مع الله. والعياذ بالله.
تحذير وإرشاد:
ما أكثر ما تسمع في دعاء الناس "يا ربي والشيخ"، "يا ربي وناس ربي"، "يا ربي والناس الملاح". وهذا من دعاء غير الله، فإياك أيها المسلم وإياه، وادع الله ربك وخالقك وحده وحده وحده، وأنف الشرك راغم.
...
الوعيد على فعل هذه الموبقات
﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩)﴾ [الفرقان: ٦٨، ٦٩].
إذا أمر القرآن بشيء ذكر فائدته وثمرته للعباد في الدارين، وكذلك إذا نهى عن شيء ذكر مضرته وسوء عاقبته عليهم فيهما. فلما ذكر في صدر الآية نفي تلك المعاصي عن عباد الرحمن الذي يفيد النهي عنها ذكر هذا الوعيد لبيان سوء عاقبتها وقبح أثرها.
نكتة استطرادية:
هذه هي سنة القرآن في التربية، وهي أنجح الطرق في جعل المأمور والمنهي، يتمثل للأمر والنهي من كل نفسه، ويعمل لتنفيذهما بعقله وإرادته. فالتربية التي تنبني على امتثال الأمر والنهي من غير المعصوم، والانقياد لهما انقياداً أعمى- مخالفة لتربية القرآن. والخير كله في اتباع القرآن، في جميع ما يفيده القرآن.
اسم الإشارة راجع للثلاثة المذكورة من قبل.
﴿يلق﴾ يقابل ويصادف. ﴿أثامًا﴾ عقاباً جزاء على إثمه فالأثام جزاء الإثم.
﴿يضاعف﴾ يزاد له على الأصل فيعذب عذابين أو أنواعاً من العذاب.
﴿يخلد﴾ يبقى. وطول البقاء يسمى خلوداً. كما قالت العرب في أثافي الصخور: خوالد، لطول بقائها بعد دروس الأطلال لا لدوام بقائها؛ إذ لا دوام لها.