وفسر الحسن (١) اللزام بعذاب يوم القيامة.
ومن عادة السلف أنهم يفسرون اللفظ بما يدخل في عمومه دون قصد للقصر عليه. ولا منافاة حينئذ بين التفسيرين، فيكونون قد توعدوا على تكذيبهم بلزوم عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
ترهيب:
رتب لزوم العذاب على التكذيب، فأعظم العذاب الأكمل التكذيب، وهو تكذيب الكفر.
ثم أصناف العذاب لازمة لتكذيب العصيان بالعدل والحكمة في التقسيم والترتيب.
استنباط:
لما كانت مقادير العباد عند ربهم بحسب عبادتهم، فالأنبياء- عليهم السلام- أعلى الناس منزلة عند الله فهم أعظمهم عبادة لله، وهم أتقاهم له وأشدهم خشية منه. وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فيما رواه مالك وغيره:
«والله إني أرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي» (٢).
وقال أيضا: «والله إني لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده» (٣).
سؤال استطرادي وجوابه:
كيف يخشى وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟
(٢) أخرجه من حديث عائشة رضي الله عنها مالك في الموطأ (كتاب الصيام، حديث ٩) ومسلم في الصيام حديث ٧٩، وأحمد في المسند (٦/ ٦٧، ١٢٢، ١٥٦، ٢٢٦، ٢٤٥).
(٣) روى الحديث مرسلاً مالك في الموطأ (كتاب الصيام، حديث رقم ١٣) والشافعي في الرسالة (رقم ١١٠٩ بتحقيق أحمد محمد شاكر): عن عطاء بن يسار؛ أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم في رمضان، فوجد من ذلك وجداً شديداً، فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك، فدخلت على أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك لها، فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبِّل وهو صائم. فرجعت فأخبرت زوجها بذلك، فزاده ذلك شراً. وقال: لسنا مثل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الله يحل لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما شاء. ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة، فوجدت عندها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما لهذه المرأة؟» فأخبرته أم سلمة فقال رسول الله": «ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك؛» فقالت: قد أخبرتها. فذهبت إلى زوجها فأخبرته، فزاده شراًّ وقال: لسنا مثل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الله يحل لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما شاء. فغضب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: «والله إني لأتقاكم لله وأعلمكم بحدوده».