﴿منطق الطير﴾ نطقها وهو تصويتها، وقد يطلق النطق على كل ما يصوت به الحيوان، فالحيوان ناطق، والجماد صامت.
﴿وأوتينا﴾ أعطينا، والنون في الفعلين للعظمة إذ هي حالته التي هو عليها.
﴿من كل شيء﴾ هو على معنى التكثير، أو على معنى العموم الحقيقي، فيما تقتضيه تلك العظمة، مما يؤتاه الأنبياء والملوك.
﴿الفضل﴾ الزيادة. ﴿المبين﴾ الظاهر الذي لا خفاء به.
المعنى:
قام سليمان مقام أبيه داود عليهما الصلاة والسلام، فكان في بني إسرائيل من بعد نبياً ملكاً.
وأراد سليمان أن يشهر نعمة الله عليه وينوه بها ويدعو قومه إلى الإيمان به وطاعته؛ فدعا الناس وذكر لهم ما خصه الله به من علم منطق الطير، وعظائم الأمور، مما هو خارق للعادة معجز للبشر، آية على نبوته. وتحداهم بذلك الفضل الذي امتاز به عن جميع الناس، وهو مشاهد لهم لا يمكنهم إنكاره كما لا تمكنهم معارضته.
فقه وتحقيق:
من ميزة الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- أنهم يخرجون من الدنيا دون أن يعلقوا بشيء منها، فلا يورثون ديناراً ولا درهماً وإنما يورثون العلم.
وفي الصحيح «إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة» (١).
فلم يرث سليمان من داود مالاً، وإنما ورث ما نوه به من العلم والملك، وما دل عليه ذلك من النبوة، وقد خصصه الله بذلك دون بقية إخوته.
تفرقة:
الشيء الموروث إن كان من أمور الدنيا وأعراضها ومتناولات الأبدان ومتصرفاتها، فإنه ينتقل بذاته من الميت إلى الحي، وينقطع عنه ملك الميت.
وما كان من صفات الروح فإنه لا يفارق الميت- لبقاء الروح- وإنما يقوم الحي مقام الميت في أداء ما كان يؤديه الميت من أعمال متصفاً بمثل ما كان متصفاً به الميت، متحلياً بمثل حليته.